طبيعيٌ أن يكون للنفس إقبالٌ وإدبارٌ، فالموفق من أخذها بقوةٍ وقتَ إقبالِها، وراوضها ترويض الطفل الصغير حين تدبر، وأخذها بالترقي من الأدنى لرتب المعالي بالمسايسة، ومن المعهود أن لكل إنسان أمورًا إلزامية، وأخرى خاضعة للفراغ، فمن نَفِهَتْ نفسُه وكلّّتْ عزيمتُه، وقرر أن يهدأ من ثورة عمله قليلًا، فليكن هدوؤه إلى منفعة، وسكونه إلى فائدة، كأن يقرأ كتابًا، أو ينزوي إلى إشباع روحه بأمور الإيمان، وإلا أصبح سكونه وهدوؤه فتورًا، وذلك هو الشر بعينه، فقد قيل: الفتور سكون بعد حركة، ولين بعد شدّة، وهو شعور بالملل وافتقاد شهية الإنجاز، وقيل:

إِذَا هَبَّتْ رِيَاحُكَ فَاغْتَنِمْهَا ... فَعُقْبَى كُلِّ خَافِقَةٍ سُكُونٌ

وَلَا تَغْفَلْ عَنِ الْإِحْسَانِ فِيهَا ... فَلَا تَدْرِي السُّكُونُ مَتَى يَكُونُ

فكن عالي الهمة، وانزع عنك ثوب الفتور، وقل لنفسك: لن أقنع بما دون النجوم، ولله درّ المتنبي حين قال:

إِذا غامَرتَ في شَرَفٍ مَرومٍ ** فَلا تَقنَع بِما دونَ النُجومِ

فَطَعمُ المَوتِ في أَمرٍ صَغيرٍ ** كَطَعمِ المَوتِ في أَمرٍ عَظيمِ

واخلع عنك ثوب الكسل والتسويف، والبس ثياب الهمة العالية، فقد قيل: إن الكسالى أكثر الناس همًا وغمًا وحزنًا، ليس لهم فرح ولا سرور بخلاف أرباب النشاط والجدِ في العمل، لذا قال الصفدي:

الجَدُّ في الجِدِّ والحِرمانُ في الكَسَـلِ ** فانصبْ تُصِبْ عنْ قريبٍ غاية الأملِ.

وقيل: «ذو الهمة يأبى إلا علواً كالشعلة من النار يخفيها صاحبها وتأبَى إلا ارتفاعاً»، وقالوا: مَنْ كَبُرَتْ هِمَتُهُ كَبُرَ اهْتِمَامُهُ، ومَنْ شَرُفَتْ هِمَتُهُ عَظُمَتْ قِيمَتُهُ.

وليعلم العاقل أنَّ كلَّ وقتٍ له موانعُه وقواطعُه، والوقت يمر على الجميع (العامل والخامل)، فامنع نفسَك من التلكؤ في العزم، وقاطع كل زمن قبل أن يصيبَك بقواطعه، فإن الوقت كالسيف، إن لم تقطعْه قطعَك!.