من المهم أن نتذكر برأيي أن كل شخص هو فرد لديه قصة معقدة وتجارب معيشية مختلفة عن بعضهم البعض، أي إن نسب الأفعال أو الدوافع السلبية إلى مجموعة كاملة من الأشخاص بناءً على وضعهم الاجتماعي والاقتصادي هو أمر غير دقيق بالمرة، كل شخص يمكن أن يتصرّف بطريقة ولو تعرّضوا جميعاً لذات الظروف، فبدلاً من التركيز على ما قد يدفع شخص ما إلى الانتقام، أريد أن أسرد لك كيف استطاع الكثير من الشبّان مثلاً في سوريا تحويل الكثير من المظالم المجتمعية المتعلّقة بالظروف إلى أكثر شيء إيجابي يمكن أن نشهده، رأيت الكثير منهم تحوّل إلى تعزيز العدالة الاجتماعية، والدعوة إلى السياسات والأنظمة التي تخلق مجتمع أكثر إنصاف وعدالة، حيث يمكن أن تساعد في منع ظهور مواقف مماثلة في المستقبل، كان هذا همّهم، وهذا مدهش فيهم، بالإضافة إلى أنّ الكثير منهم ساهم في الاستثمار في موارد المجتمع، في ضمان الوصول إلى التعليم والرعاية الصحية والخدمات الأساسية الأخرى، لكسر حلقات الفقر والمصاعب!
السبب الوحيد الذي منع ذلك الإنسان من الإنتقام ..
هي فرصة لتحويل المعاناة إلى جنة و إلى واقع مزدهر كما تفضلت أخي ضياء ، و لكن هناك أشخاص في هذا العالم لا يرون بالمنظور الجيد الذي نرى نحن منه الحياة ، بل إنهم ينتقمون عند التعرض للخداع و الإيذاء ، فهم ينتقمون من كل شيء و لا يفرقون بين صغير و كبير و بين بريء و مذنب ، إنهم يرون أن كل الناس اجتمعوا لخداعهم و لخذلانهم ، رغم أن هذا غير صحيح و غير دقيق إلا أن المنتقمين يعتقدون بصحته و يسعون لإحراق الجميع ، و حتى عائلاتهم لا تسلم منهم ( كما يفعل الكيان الصهيوني مع شعبه و مع إخوتنا في فلسطين نسأل الله أن يفك كربتهم ) ..
و لكن بخلافهم هناك أناس آخرون عانوا أكثر منهم ، و مع ذلك سامحوا و تجاوزوا لم ينتقموا رغم كل المعاناة و الإبتلاءات ما السبب أو الأسباب التي جعلت أولئك النوع يسامح و يتجاوز و يعفو رغم أنه كان يستطيع الإنتقام بكل سهولة ؟
الأسباب التي جعلت أولئك النوع يسامح و يتجاوز و يعفو رغم أنه كان يستطيع الإنتقام بكل سهولة ؟
لأن الانتقام نار تحرق صاحبها قبل أن تحرق أي شخص آخر وقد تمتد نارها لتحرق أشخاص أبرياء لا ذنب لهم وشعور هؤلاء الأشخاص أن الله هو المنتقم الجبار ولعل خير مثال لنا نبينا محمد عندما قال لأهل قريش
ما تظنون إني فاعل بكم؟
وبعدها اذهبوا فأنتم الطلقاء
الإنتقام و رد العقوبة بمثلها هي أمر مشروع في الإسلام و عليها دليل قرآني ، و لكن العفو مباح و مستحب و هو الأقرب للتقوى و للفطرة النقية ، و الإنتقام المشروع جائز إذا تم إثبات الإساءة و تم القبض على المسيء ، النبي المصطفى عليه الصلاة و السلام كان قدوة في العفو و التسامح رغم المقدرة و الإستطاعة ..
لكن في المثال الذي طرحته في الموضوع هناك سبب وجيه آخر و هو الذي يجعل ذلك الإنسان يتراجع عن إنتقامه و عن ثأره و يحجم عنه .. و هو فعلا سببا وجيه و عادل و منطقي .. الذي يعرفه يستحق وسام الذكاء و لو كان مجتمع حسوب يدعم خاصية الأوسمة سأرسل له وساما جميلا و أهديه له ( رغم أنني لست مصمما 😁 ) .. أحضروا لنا عباقرتكم ...
الامر كله مرتبط بالتخطي، وقدرة الشخص على تجاوز الأمور المؤلمة التي تعرض لها، لكل منا استجابة مختلفة لمشاعر كالألم والظلم، هناك من يتخذها سبيلا ودافعا لتغيير واقعه للأفضل، فيخرج من دور الضحية و يتحمل مسؤولية نفسه واصلاحها وتغيير واقعها، وهناك من لا يستطيع أن يتحمل مسؤولية نفسه، يظل دائما يلوم الآخرين على ما فعلوه به، وهم بالفعل مخطئين ولكنه لا يدرك أن من أفسد شيء لا يصلحه، فببساطة إذا أراد اصلاح نفسه عليه أن يفعل هو ذلك، وبالتالي من يخرج من دور الضحية يتجاوز فيستطيع أن ينسى ويتسامح، ومن لم يخرج ستظل غايته الوحيدة هو الانتقام وشعوره الدائم هو الحقد والغضب.
البقاء عالقا في دائرة الضحية و الإسقاطات دليل على أن الشخص لا يزال غير مرن في نقطة تخطي المعاناة ، فجميع الناس يعانون و لكنهم يتمتعون بمرونة التقبل و أخذ الدرس و من ثم التجاوز و العفو السريع ، لكن الضحية يحمل ظنا و إعتقادا مشوها يخبره بأنه لا يستطيع التجاوز بمفرده ، و لكن الحقيقة أنه يستطيع متى ما أدرك أنه يستطيع المرونة و أخذ العبرة و المضي قدما ..
نقطة اكتساب مزيد من المرونة العاطفية هي فعلا من ضمن الأسباب التي تجعل الشخص الغاضب المنتقم يعفو و يسامح و يتجاوز ، فالمرونة العاطفية هي مهارة قابلة للإكتساب أيضا ..
التعليقات