حدَجني زميلي بحدة وعلق ناظريه بناظري ثم أدار عينيه إلى حيث زميلتنا القديمة ثم أومأ إلىّ: كفى...ما رأيك نشتري مياه من الكانتين؟! شدني من يدي وخرجنا! لم يفه بكلمة حتى انفردنا في أرض الملعب ثم راح يلومني: ألم أقل لك لا تتحدث عن الإدارة أمام ( س)؟ استغربت: نعم ولكن ما علاقة ( س) بالموضوع؟! دُهش زميلي: ألم تعلم أن (س) صديقة (و) الأنتيم؟! ازدادت دهشتي: نعم أعلم. وأعلم أن (و) هي من أخذت سكرين شوت من نص المحادثة السرية بينها وبين صاحباتها الخمس في جروب الواتس السري وأطلعت المديرة عليها وليست (س)؟ (س) قدِمت حديثاً!
ابتسم صديقي بمرارة: يا حبيبي ألم تعلم أن المرء على دين خليله؟! أشحتُ بيدي في وجهه مستنكراً: يا أخي لا تكن سيئ الظن إلى هذا الحد!
قال متلفتاً يمنة ويسرة خافضا صوته: أنت ساذج، سوء الظن عصمة، حسن الظن ورطة!
قلت مازحاً : هذا قول أكثم ابن صيفي. هل تعتقده؟!
قال متأبطاً زراعي يُماشيني: لا أعلم من قائله ولكني لا أعتقد غيره. ثم توقف فجأة يُحدّق في عيني: لقد علمتني (و) انعدام الوفاء!
صِحتُ به: لا تجعل حادثة فردية تسوّد نظرتك للحياة والأحياء!
انفعل قائلاً: لا. اجعل سوء الظن مذهبك تنجو يا حبيبي! ألم تسمع قول الشاعر:
فلا يكن ظنك إلا سيئاً إن سوء الظن من حسن الفطن
ما رمى الإنسان في مخمصة غير حسن الظن والقول الحسن؟
قلت مُجارياً إياه: وافترضنا أنك محق في حالة (و) ولكن (س) كلامها حلو ولطيفة وذات أخلاق.
هزأ مني وقال: يعطيك من طرف اللسان حلاوة ويروغ منك كما يروغ الثعلب!
قهقهت من فرط سوء ظنه وقلت: عموما أنا لم أتكلم بكلام يسئ إلى أحد...فقط قلت سألفت نظر الإدارة إلى...
قاطعني: معنى كلامك أنها لا تدير عملها جيدا وأنها مقصرة وأنها....
أدهشني فقاطعته: مهلاً مهلاً... أنت قولّتني ما لم أقل يا رجل!
ابتسم ساخراً هازاً رأسه وكأنه لا أمل فيّ: لستُ أنا من يقوَلك...بل ( س) هي من ستفعل!
نظرت إلى عينيه أريد أن اعرف سر نفسه المعجونة بسوء الظن والريبة: بربك كف عن سوء الظن! الحياة لا تستقيم هكذا! أنت تسممً كل شيء وليس معك من دليل!
قال مجادلاً: أنا لم أتهم أحداً لتطالبني بدليل ولكن أسيئ ظني بالناس فأحذرهم.
أطرق قليلاً ثم وضع يده على كتفي: ساحة الحياة أشبهت ساحة الحرب يا صديقي... الدولة التي تفوز من تملك أقوى جهاز استخباراتي... ووظيفة رجل الاستخبارات أن يتشاءم ويسيء ظنه دائما ويتوقع الأسوأ. في الأخير يُنجيه سوء ظنه. فكلما أمعن في سوء الظن وتوقع المصيبة ازداد احتياطه لها وأنا هكذا.
لم يكد زميلي يُنهي نصيحته حتى رأى (س) ترمقنا من بعيد فتلألأت عيناه ثم همس لي: أبعد عني الآن! يبدو أن (س) تترصد لنا.... لن أراك هنا بعد اليوم...سنجتمع في الخارج!
كدتُ أنفجر ضاحكاً باكياً وأنا أصعد وحدي إلى الطابق الأعلى متعجباً من زميلي الذي يتخذ سوء الظن مذهبا له في الحياة! وأني أتساءل وأسالكم يا أصدقاء: من المحق فينا: أنا أم زميلي؟! ولماذا ومتى برأيكم ينبغي أن نحسن أو حتى نسيئ الظن؟
التعليقات