قال لي صديق مقرب مني ذات يوم بينما نتمشى ليلاً حين سألته عن أكبر عقبات الحياة، فأخبرني أن الزواج هو أكبر عقبة قد تقف في وجه الإنسان وتحجزه عن مستقبلٍ أفضل، تعجبت من تلك النظرة وسألته "لماذا؟"

قال: أن تتزوج معناه أنك تحولت لماكينة صرف آلي، "شيكارة فلوس تمشي على الأرض"، تنخفض قيمتك كإنسان وتحولك الحياة الرأسمالية إلى مادة، لمجرد شخص يعمل طوال اليوم أو أكثر من عمل "في الغالب" ليوفِّر على أهل بيته العناء، وفي المقابل يعيش في ضغط مستمر ويتناسى أحلامه شيئاً فشيئاً، فلماذا أقحم نفسي في ضغوط أنا في غنى عنها؟ لماذا تعمل من أجل أشخاص آخرين حتى لو كانوا عائلتك؟ ما المتعة في ذلك؟ ألست أولى بحياتك في هذا العالم...

ثم أضاف : تزوج حين تملك الرفاهية الكافية.

في الحقيقة عدد كبير من الناس يرى الزواج قيد يمنع الإنسان من التقدم في حياته وتحقيق النجاحات، ولكن كلها آراء لم تؤثر في نظرتي للزواج على أنه السكن والمودة والرحمة وحياة مؤقتة تكتمل في جنة الرحمن.

في أثناء الاطلاع على حياة الفلاسفة، وما ذُكر في مذكراتهم، وما تناقلته الكتب عنهم، وما اشتهروا به من كواليس حيواتهم، فطنت إلى أن أغلب الفلاسفة كانوا عُزَّابا !

والأمثلة على ذلك كثيرة، وتجعل المتأمل يقف مشدوهاً متسائلاً عن السر الكامن وراء ذلك.ومن ضمن هؤلاء الفلاسفة على سبيل المثال لا الحصر،

هيراقليطس، أفلاطون، ديكارت، سبينوزا، نيتشه، شوبنهاور، لايبنتز، ڤولتير، باسكال، جون جاك روسو و غيرهم الكثير

وبالرغم من أن معظمهم كان له علاقات حب عابرة وعلاقات أخرى انتهت بالفشل إلا أنهم في نهاية المطاف لم يتزوجوا وقضوا أعمارهم عزاباً، قضوا أعمارهم متفرغين للبحث والتأليف والتدبر والتفكر والكتابة عن مختلجات العقل وخباياه، من المرجح أن هذا الفعل نابع من قناعة قوية لديهم تقول : أن في الزواج مسئولية قد تمنعهم من التفرغ للعلم، وأن عقولهم دائمة التوهج تضن عليهم من التفرغ لما سوى العلم أياً كانت أهميته ونظرة الناس إليه، حتى لو كان من أساسيات الحياة.

وقد لخص ذلك نيتشه في قوله:

"إن الفيلسوف الحقيقي يرفض الزواج ويتهرب منه بكل هلع ورعب. لماذا؟ لأن الزواج يقف في طريقه كعقبة كأداء بل ومهلكة تمنعه من التوصل إلى القمة: قمة الفكر والإبداع"

إذن اكتشفت أن صديقي تتفق نظرته مع نظرات الفلاسفة!، إنه لشئٌ يدعوا للضحك.

وفي الحقيقة كل تلك الآراء لم يقنعني منها شيء أبداً، أرى أن الاختيار هو الأهم، اختيار شريكٍ يعين على قسوة الحياة، ويلطفها ويهيئ الجو الخاص للإبداع إن كان شريكه من أصحاب المواهب، ويساعده في الوصول إلى حلمه والتقدم فيه، الزواج ليس عائقاً لمن أحسن الاختيار بل هو مسئولية قد يجعلها الشريك الصالح مسئولية هينة بسيطة، وقد يجعلها الشريك الغير مسئول "إن أسأنا الاختيار" أكبر عائقٍ في الحياة.

والمبدع إن أحسن الإختيار تحقق فيه ما قاله العتوم في رواية "أنا يوسف على لسان يعقوب النبي:

"إنَّ واحدنا دون أنثاه صِفر"

فحينها يكتمل الشخص بمن يعينه ويلهمه. "والكلام ينطبق على الزوجة كذلك"

وسؤالي لك هنا عزيزي القارئ: -كيف ترى الزواج؟ ومتى يكون من الأفضل أن تختار "ي" العزوبية؟