هذه نسخة صوتية لم تصقلها الكتابة عن التدوينة
أريد أن أتوقَّف عن استعمال الهاتف بعد الساعة التاسعة مساءً إلى صباح اليوم التالي، ولي من ذلك فوائد ستعرفونها في المقال، لكن طريقة فعل ذلك في عصر الإتصال الرقمي المستمر فيها صعوبة. لهذا أنوي أن أبسطَ تدوينة بهذا الخصوص.
تستطيع أن تقول لنفسك "لن أستعمل الهاتف بعد التاسعة" وكفى. سيكفي ذلك. لكنّه سيعتمد على قوّة الإرادة. وهذه متقلِّبة لا يُثق فيها. ماذا لو كنتَ منزعجًا في يوم؟ ماذا لو لم تنم جيدًا في الليلة الماضية؟
أفضل القرارات هي التي تؤخذ بعد التفاوض مع النفس، بعد مناقشة الجوانب التي نقلق منها، والوصول إلى الحلّ الذي يرضي النفس ويطيب خاطرها. هذه القرارات ترغب في فعلها حتّى لو كنتَ تمر بأسوأ أيّامك وظروفك.
القرارات التي تؤخذ بهذه الطريقة، تكون أقوى بـ10 مرّات من قرارات قوّة الإرادة!
التبرير الأوّل - هذا خيار سهل!
واحدة من أكبر العوائق التي واجهتني، المخيلة والغرور والتباهي! ببساطة كنتُ أكرّر على نفسي كلمات يشوبها الترّفع: أيعقل أنّك ستلجأ لخيار سهل مثل هذا؟ أن تضع هاتفك مغلقًا في الجرار؟ أين الشجاعة؟
وهذا الغرور يريد أن يجرَّني إلى إبقاء الهاتف معي في كل وقت، ويتخيَّل أنّ الشجاعة في أن يكون الهاتف معي في كل حين، ولا ألتفت له ولإشعاراته!
هذا مما لا يُطاق. ومعرفة حدودك وامكانياتك هي عين الشجاعة. ببساطة لا يمكنك تجاهل اشعار مُغري، هذه الشركات تدفع مبالغ طائلة في تصميم الإشعار بطريقة ولون يستدر منك أسرع استجابة.
وإذا كنتُ قادرًا على تجاهل الاشعارات، هذا يعني أنِّي سأصرف من بنك قوة الإرادة الكثير، لماذا أعيش في مقاومة أستطيع تجنّبها؟
أتذكّر بيتًا لشاعر يقول:
وجاوزتُ عمّا دونَ عقدِ إزاره .. عفافًا وقد زالت جميع العوائقِ!
يقول أنّه اختلى بحبيبته، وكانت الفرصة سانحة ليجني منها ما يُستلّذ، والعوائق كانت مُزالة ليحصل على ما يُريد، هو يفخر بنفسه أنّه استطاع تجاوز الموقف هذا، لكنّه ليس بفخر! لماذا تختلي وتصل إلى مرحلة الوصول إلى الإزار وما دونه، ثمَّ تعتمد على قوَّة الإرادة في الكفّ عنها؟! كفّ النفس عن الشُبهة أولى من الخوض فيها ثمَّ الإعراض عنها.
التبرير الثاني - ستعود مرَّة أخرى
التبرير الأعمق من المرحلة الأولى، هو تبرير يتمنطق بفلاسفة الجبرية فهو يقول: إذا كنتَ ستعود إلى خرق قانونك بعد فترة، فلماذا تتحمَّل عناء الالتزام الآن؟
وهو تبرير سخيف، يجعل من الإنسان مقيّدًا بقراراته الخاطئة، ويربطه بتفسير مادِّي، بحيث تكون قيمته بقراراته فقط.
لو خرقتَ القانون بعد فترة، هذا لا يعني أنّك ستبقى على نفس الخرق للأبد. تستطيع ببساطة أن تعود إلى الالتزام في اليوم التالي، وتتعلَّم الدرس مما حصل ليلة خرقت القانون، فتوظفّه في عدم الوقوع في ذلك مرّة أخرى.
التبرير الثالث - ستبقى تخاف من الهاتف بقية حياتك؟!
وهو تبرير فيه سهم يُرديني. أنا أتأثَّر بهذه الأحاديث المستفزِّة. لكن لنتذكر أنّنا لبسنا رداء المتواضعين، وخلعنا رداء الكِبر، الشرّ الأكبر في هذا العالم.
الأمر ليس خوفًا، بل هو نمط حياة صحّي، يجب أن يتخلَّق به كل من يستعمل الإنترنت، فنحن نستعمل الأداة ولا تستعملنا هي.
استعمال الهاتف أقل انتاجية من استعمال الحاسوب والأيباد. خياراتك محدودة لفعل شيء مفيد، لن تقرأ كتاب، لن تقرأ تدوينات طويلة، ستشتّتك الإشعارات في كل فترة. الهاتف ببساطة ليس مصممًا لفعل شيء مفيد لفترات طويلة.
عدم استعمال الهاتف مساءً، يعني أنّك ستوفِّر وقتًا يمكن أن تستخدمه في فعل شيء مفيد.
والابتعاد عن الاشعارات البرّاقة، يعني خزين من الطاقة يمكن أن تستخدمه في ترفيه صحِّي يشحنك.
وترك الشاشة البرّاقة للهاتف، يعني أنّك ستنام بشكل أسرع وأعمق بشكل يعيد لك طاقتك.
بالنسبة لي هذا انتصار!
التبرير الرابع - ماذا سنفعل بدلًا عن ذلك؟
أي شيء. حسب اهتماماتك. المهم لا تبقى تحدِّق في الجدران فتملّ (ولو فعلت، سيكون أفيد صدّقني!)
التبرير الخامس- ماذا لو طرأ طارئ؟
لا أتذكّر أنّي أنقذت حياة شخص بعد الساعة 9 مساءً من هاتفي في آخر سنة، أو عشر سنوات.
من يُرسل رسالة في الليل، سيتقبّل ضمنًا أنّ هذا وقت نوم لكثير من الأشخاص، ويتحمّل الانتظار.
سأستعمل الأيباد، وأضع فيه قنوات تبليغات الجامعة المهمّة، والتي قد يجدّ فيها جديد في فترات المساء. ستصلني الاشعارات وسأكون مطلعا على ما يهمّني.
التعليقات