الملاحظة التي جعلتها عنوان التدوينة ملاحظة استوحاها نيتشه أثناء خروجه للمشي. فقد وجد فيه المهرب من صداعه النصفي قبل أن يكتشف أهميته في سبيل تحسين منطقة التفكير لديه، الأمر الذي جعله يمشي قرابة الثماني ساعات يوميا.
لم يكن نيتشه بدعا من الفلاسفة الذين أدمنوا هذا النشاط. فقد كان كانط منضبطا جدا في أوقات تمشيته اليومية إلى حد أن سكان المدينة كانوا يعيرون ساعاتهم على موعد خروجه اليومي.
وهناك أيضا أرسطو، هنري ديفيد ثورو، جان جاك روسو، أبو بكر الطرطوشي؛ كل هؤلاء كان المشي بالنسبة لهم نشاطا يوميا لا يمكن الاستغناء عنه.
لكن لماذا؟ مالذي اكتشفه كبار المفكرين والفلاسفة في رياضة المشي؟
طبعا فريديك غرو في كتابه "فلسفة المشي" افتتح الكلام بنفي صفة الرياضة عن المشي جاعلا إياه نشاطا يوميا ينماز من الرياضة بكونه سهلا لا يحتاج إلى جهد كبير، لكن موضوعنا ليس هذا.
مالذي التمسه هؤلاء المفكرون في هذا النشاط؟
يرى نيتشه أن المشي يساعده على التفكير، فأعظم الأفكار التي جاء بها ساعده في بلورتها بشكل سليم مشيُ ساعات طويلة كل يوم.
ورغم كونه كان مشاءً إلى أنه تسلق الجبال أيضا وتأمل على قممها في عزلة، وهناك ترابط كبير بين المشي والعزلة.
كما يخبرنا روسو في الاعترافات بالقول عن نفسه "لم أكن قط أكثر تفكيرا وأكثر استحضارا لوجودي وأكثر قربا من الحقيقة التي أنا عليها مما كنت في تلك الرحلات التي كنت أقوم بها سيرا على الأقدام، ففي المشي تسمو أفكاري وينتعش نشاطي، فلا بد لجسمي أن يتحرك حتى يشتغل عقلي"
فقد كان يمشي دون هدف محدد سوى التأمل الطويل في الغابات وألوانها والطبيعة ومحاسنها. وقد ساعده ذلك على تصفية الذهن وشحذ أفكاره الوجودية والتأمل فيها.
وأرسطو وأبو بكر الطرطوشي اللذان كانا يسيران بتلامذتها في الحدائق مشيا على الأقدام. فقد اكتشفا علاقة المشي بنجاعة التعلم وقدرته على تصفية أذهان الطلاب، وقد تمت تسمية تلك المدارس بالمشائية تيمنا بطريقتها.
علاقة المشي بالصحة
رصدت الدراسة أعلاه ارتباط ارتفاع الخطوات عكسيا مع خطر الوفاة المبكرة وأمراض القلب والأوعية الدموية.
فكما هو موضح في الرسم البياني، فالعلاقة وطيدة جدا بين عدد الخطوات اليومية وبين صحة الفرد. حيث أنه كلما زادت خطواتك عن 6000 خطوة يوميا كلما تقلصت مخاطر مسببات الوفاة حسب الإحصائية.
كما أن هناك دراسات أخرى تشير إلى أن رياضة المشي يمكن أن تقوم بإعادة بناء أدمغتنا عن طريق تجديد المادة البيضاء فيها.
والمادة البيضاء هي نظام متشابك من الوصلات العصبية يسبب تغيرها أو وصول العطب إليها إلى إصابة الإنسان باضطراب نقص الانتباه أو في حالات أخرى قد يصاب بالزهايمر.
ولما كانت أدمغتنا ديناميكية تتغير باستمرار فإن المشي يمكن أن يحسن تلك الروابط من جديد ويعمل على تنشيط قوة الانتباه ويؤخر مرض الخرف أو النسيان.
وأنتم أصدقائي، هل فيكم من أدخل المشي في نظامه اليومي؟ وهل لاحظتم فوائد لهذا النشاط في حياتكم؟
التعليقات