إن الاختلاف سمة هذه الحياة؛ فلن نجد اثنين تجمعهما نفس الميول الفكرية، والذوقية، والعاطفية أبدًا مهما كانوا قريبين؛ فأبناء الأسرة الواحدة تجدهم مختلفين في كل شيء؛ وهذا لا يدفعنا إلى التعصب والتحيز لمن يشبهنا؛ بل يجعلنا نفكر في آليةٍ مناسبة للتعامل مع الاختلاف. وهذا الأمر أخذ مني الكثير وما زلت أحاول فهمه بالشكل المطلوب؛ وأصبحت أسأل نفسي كثيرًا كيف يراني الآخر؟!

إن معرفة كيف يراك الآخر ستوفر عليك الكثير والكثير، وكما إنك تمتلك بعض القوالب الثابتة عن بعض الأشخاص؛ فهم أيضًا لديهم نفس المشكلة؛ فإني أذكر أيام مرحلتي الجامعية في مصر؛ كان لي صديق آسيوي؛ وكان الفتى أول بوابةٍ فعلية لي للاطلاع على ثقافةٍ مختلفة؛ فكنت أتحدث إليه مازحًا وقلت له: 

«كنت أظن أنكم -أعني العرق الآسيوي- تمتلكون نفس الملامح والشبه» فابتسم وقال لي: ونحن أيضًا نرى العرب كلهم نفس الملامح!

 وهنا ذهلت وقلت لا نحن بيننا اختلافات؛ ثم استدركت موقفي وعرفت حينها أنني الآخر في حياة الآخر أيضًا. 

ومن المواقف الأخرى التي أراها تؤيد هذه النقطة أن أحد زملائي سافر إلى دولةٍ في قارة أمريكا الجنوبية، وهذه الدولة من الدول ذات السمعة السيئة في الإنتاج الهوليودي؛ فتصور دائمًا أنها مصدر للإتجار بالمواد المخدرة، والعصابات، وغيرها من الصور النمطية، وبدأ الفتى يسرد يومياته هناك؛ حتى نشر على صفحته كلامًا يعبر فيه عن إزعاجه؛ فقال كلامًا معناه: 

 «سألني الكثير عن الأمان في الدولة التي أقيم فيها وتعجبت من صورتهم الخيالية عن الأمر؛ لذلك لا تحزنوا ولا تتعجبوا عندما يخبركم أحدهم أن الشرق الأوسط مكان غير آمن»

 علمت حينها أن الفكرة التي نكتسبها من دون تجربةٍ حقيقية تؤثر على نظرتنا للآخر. وهنا كان لابد من تجربةٍ فعلية أعيش فيها مع الآخر واطلع على ثقافته وفكره وأكتشفه عن قرب، وهذا ما حدث.

قبول الآخر وأثره على حياتنا 

لما دخلت المجتمع الجديد، اخترت بلدًا تعدديًا تجتمع فيه أشهر العقائد والأعراق في العالم تقريبًا؛ وفي إحدى المرات ركبت مع سائق أجرة هندوسي؛ فلما رأى ملامحي عربية؛ سألني عن بلدي وعن إيماني، وأخذ ينطق بعض الكلمات العربية أمامي من باب المودة؛ فلما بدأ النقاش أخذ يشكو لي ما يراه من بعض من يتبعون عقيدتي فقال لي: 

 «عقيدتي تمنع أكل الأبقار وعندما آكل لحم الخنزير البعض ينظر لي باشمئزاز وهذا الذي ينظر لي يرتكب ما لا أراه صحيحًا أيضًا، وقد نزلت ضيفًا عند أسرةٍ ذات فكرٍ معتدل فكانت مدة إقامتي لا يدخل بيتهم لحم بقرٍ احترامًا لوجودي» 

أحيانًا ننتقد الآخر فقط لأننا نراه مختلفًا عنا، ونغفل إننا أيضًا مختلفون عنه، والقضية هنا في القبول؛ ولا أعني أن نفقد هويتنا وعقيدتنا بل نحقق التعايش بالمعنى الحقيقي مع الحفاظ على أفكارنا وسلوكنا الخاص؛ لأن قبول الآخر يضمن بناء مجتمعٍ يسع الجميع. 

التعايش مع المختلف شعار برّاق أم واقع قريب؟

الكثير من المؤتمرات والحملات التوعوية التي تدعو إلى التعايش مع الآخر، ومع أول اختبارٍ حقيقي يقع العالم في فخ العنصرية، وبعدها ينتقد البعض ويشجب الآخر؛ فترانا نمارس نحن أنفسنا سلوكًا يخالف ما ندعو إليه؛ على الرغم من وجود مجتمعاتٍ تعددية، وهذا لا ينفي عنها المشكلات والشقاقات في بعض الأحيان؛ لكنه يظل أفضل نموذج توصلنا إليه في عالمنا؛ فهل تظن أن التعايش مع الآخر مجرد شعار رنان ولا يمكن أن يكون واقعًا؟ أم سيغادر صفحات الكتب ونراه في عالمنا بشكلٍ ملموس؟ 

وما المقترحات التي تراها تدعم تحقيق التعايش مع الآخر في مجتمعاتنا؟!