يعتبر المجمع الصناعي، مفهومًا اجتماعيًا اقتصاديًا حيث تتشابك الشركات في النظم أو المؤسسات الاجتماعية أو السياسية، مما يخلق أو يدعم اقتصادًا ربحيًا من هذه الأنظمة. ويقال أن مثل هذا المجمع يسعى إلى تحقيق مصالحه المالية الخاصة بصرف النظر عن مصالح المجتمع والأفراد، وغالباً على حسابها.

هناك فرق بين قراءة الكتب وقضاء الوقت في مجمع الدوبامين الصناعي (مواقع التواصل الاجتماعي، مواقع المرئيات والأفلام والمسلسلات الخ) وهذا الفرق يتركَّز في تشغيل الفصّ الجبهي والتفكير.

عندما أقضي الوقت في مجمعات الدوبامين، أعرفُ أنِّي أُدرِّب عقلي على أن يبقى صامتًا، لأنَّ معظم هذه المواد الرقمية ليس فيها مُتسَّع لتشغيل جزء كبير من العقل، وإلّا لماذا عندما تكون مُتعبًا ومُرهقًا، لا تستطيع فتح كتاب في حين من السهل عليك تصفّح المنشورات والفيديوات القصيرة؟

قضاء الوقت في مجمعات الدوبامين الصناعية ليس تعطيلًا للوقت فقط، فهذا أهون الشرّين، بل تعطيل العقل في لحظات التعب والإرهاق. وهذا شرٌّ لا يعدله شر.

أحيانًا نُريد هذا التعطيل بعد يومٍ مُتعب، فليس لنا طاقة لفعل شيء مفيد، لكن هنا بالذات تقنصنا مجمّعات الدوبامين، وهنا مكامن أرباحهم.

أحبُّ دائمًا أن أفكِّر أن عقلي مقسَّم لقسمين، أحدهما عقلاني ومنطقي، والآخر بدائي يركضُ خلف كل متعة، وهذا تفريق علمي، رغم عدم وجود حدود واضحة لكلِّ قسم من الناحية التشريحية. ولا أقصد ذمًا للجزء البدائي، فهو له أهميّته مثل الجزء العقلاني، ولا تستغني بأحدهما عن الآخر.

مجمّعات الدوبامين الصناعية تصطفُّ إلى جانب الجزء البدائي، تقدِّم له ما يؤنسه على حساب الجزء العقلاني.

لا أحد سيحبُّ أن يخلد إلى وسادته ليلًا وهو قد صرف 8 ساعات في هذه المنصّات، لا أحد سيكون سعيدًا مع نفسه. هنا تستنتج أنَّ مجمعات الدوبامين الصناعي تستهدف نقطة مهمّة وهي إحداث الصراع والتنازع بين أجزائنا البدائية الراكضة خلف المتعة، وبين أجزائنا العقلية التي تهوى قيمًا عليا.

والحلُّ ليس بأنّ تقوِّي الجزء المنطقي، وتُعاقب الجزء البدائي، جرِّب هذا وقرّر الإقلاع عن عادة ضارّة تحبّها بالجزء المنطقي فقط، ستعود مرّة أخرى.

الحلّ الوحيد للتغلّب على مجمّع الدوبامين الصناعي لمرّة واحدة وإلى الأبد هو أن تُعيدَ الوئام بين الجزء المنطقي والجزء البدائي، وتُعيد رصَّ الشِعب الذي أحدثته تلك الشركات بينهما.

وكيف تكون اعادة الوئام؟ وجدتها بأن يكون العقل المنطقي صديقًا عطوفًا للعقل البدائي، آخذًا بيده من الغرق في مجمّعات الدوبامين المُوحلة، وقائده إلى أهداف أسمى وقيم أعلى، إلى أن تصبح مُتعته تلك القيم بدلًا من الدوبامين الرقمي.

تطبيق هذا بشكل عملي يكون بكتابة المُذكرات، الحديث الصادق مع النفس عن أهميّة وضرر كلّ طريق.

لهذا قد لا يكون غريبًا، أنَّ معظم المرّات التي نجحتُ بالاقلاع عن مواقع التواصل، كانت بعد أن خضتُ محادثة مع عقلي، وبثثتُ فيه بعض الحقائق التي أزالت عنه جمودَ التفكير، وأعادت رأبَ الصدع بين الجزء البدائي والمنطقي.