الأمر غريب، لكن كثيرًا من التصوّرات والتقاليد الدينية التي لدينا بخصوص العفاف والكفّ عن المحارم، تنطبق في خصائصها مع طريقة عيشنا للحياة بشكل عام، والحياة الرقمية بشكل خاص.

تقول تقاليد العفِّة في كلّ الأديان، أنَّك لو أردتَ أن تعيش حياة صحيِّة، حياة ترتقي فيها إلى درجات تُسابق الملائكة، فعليك بالكفِّ عن شهواتك، وتحفظ فرجك، وتضع طاقاتك الجنسية في زواج واحد محكوم بعهود ومواثيق، وتعفّ نفسك عمّا سوى ذلك.

هاكم حديثًا من خير الخلق وخاتم النبييّن، والذي لوهن عظمنا بين الناس، أصبحنا نتحرَّج أن نذكر تعاليمه بحجّه الثقافة الزائفة، نفسي فداه رسول الله محمَّد -صلّى الله عليه وعلى الأطهار من آله وصحبه-

قال: وفي بُضْعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ، قالوا: يا رَسولَ اللهِ، أَيَأتي أَحَدُنَا شَهْوَتَهُ وَيَكونُ له فِيهَا أَجْرٌ؟ قالَ: أَرَأَيْتُمْ لو وَضَعَهَا في حَرَامٍ، أَكانَ عليه فِيهَا وِزْرٌ؟ فَكَذلكَ إذَا وَضَعَهَا في الحَلَالِ كانَ له أَجْرٌ.

وهذه هي العفَّة الدينية، التي تعد صاحبها بالأجر إن وضعها في مكانها الصحيح، وتنذر صاحبها من عذاب أليم إن مالَ عنها، فيقترب من النار.

عفاف الدوبامين

ما دامَ الذي يحرّك الإنسان إلى المعصية هو نفس الدماغ الذي يحرِّكه للتشتّت وصرف الوقت فيما لا ينفع، وهو أمر صحيح على المستوى الكيميائي الجزيئي، فهناك عصيرٌ كيميائي يتطاير في الدماغ، وعلى رأسِه الدوبامين، يقود مثل هذه الأفكار.

ما دامَ المُحرِّك واحد، لماذا لا نستطيع تطبيق نفس المفاهيم التي ورثناها عن العفِّة، على الحياة الرقمية في الإنترنت؟!

لأننّا نتحدَّث عن تعاليمَ صرَفت الناس لقرون عدِّة، عن الإنحطاط في أخسِّ المُتع البشرية الوقتية، ووجّهتها نحو طريق عفيف ينتهي بالزواج والإنجاب.

لماذا لا نستطيع أن نطبِّق نفس التعاليم على الحياة الرقمية؟ وأنا لا أقول ضرورة أن تجعلنا هذه التعاليم نكفُّ عن الإنزلاق في متعٍ وقتية فاضحةٍ مخالفةٍ للفطرة السليمة، نازلةٍ بالإنسان إلى البهيمية الجنسية، فهذا محرَّم بديهةً.

لكن ماذا لو طبّقناها على الحياة الرقمية العادية المُباحة؟ تلك التي نتصفّح فيها فيسبوك من دون هدف، ونقضي الوقتَ كلّه في متابعة أخبار المشاهير، أو لعب الألعاب الالكترونية؟

التشتت خيانة

إذا سمَحتَ لخيالك أن يتبعني، فنحن نريد أن نطبِّق مفاهيم العفّة التقليدية على العفِّة الرقمية، وبهذا بدلًا من أن يكون المثال الزوجة والعائلة، سيتحوَّل إلى أهداف الحياة الكبرى.

دعني أوضِّح أكثر، إذا كان إتيان المرء منّا شهوته في أهله حلالًا، وكان هذا الأهل الزوجة، فحتّى نستطيع تطبيق هذه المفاهيم نحتاجُ زوجة للعالم الرقمي.

هذه الزوجة تكونُ رؤية الإنسان لما يريده من الخير، تكونُ أهدافه الكبرى التي تنسجم مع ما أُودِعَ من مواهب، تكونُّ قيمه التي يحيى ويموتُ لأجلها.

فإن زوَّجتَ نفسك هذه الرؤية، كان لزامًا عليك أن تضع وِسعك وجهدك فيها، فلا تنظرَ لغيرها، ولا تنحرفَ نحو خيانةٍ وعصيان.

ستكونُ حينها متزوجًا للواقع، لأهدافك الكبرى فيه، وتحاولُ أن تحرثه حرثًا وتبثَّ فيه ثمارَ جهدك. وحينها سيكون التشتّت، ويكون الهروب من هذا الواقع، أكبر الخيانات التي تقرِّب صاحبها من النار.

هذا التشتّتُ قد يكون ممتعًا على النفس في لحظاته الوقتية، تمامًا كمتعة المُنحرِف عن تعاليم العِفّة في لحظات نيله، لكن ما حالُ الإثنين بعد أن تبدو لهما السوءات، وتنقشع عنهم عمي السحابات؟!

وُعِد عفيفَ الفرج بجنَّة الآخرة، وما أكرمُ ربِّك وأغدَقَ خيراته على من يعفُّ رقميًا.

والسلام.