ملاحظة: هذا الموضوع مكمِّل للموضوع الأوّل الذي طرحته الخميس الماضي. يجب أن تقرأ الأوَّل ليتّسق السياق!

كيف حفّز أجدادنا أنفسهم في السابق؟ كيف قادوا أنفسهم نحو السير إلى معركة، الصبر على جفاف، وضع ساعات طويلة في رعي الماشية والدفاع عن القبيلة؟

في الحقيقة، السؤال الذي طرحته فيه شيء من التضليل. هم ما كانوا يستهلكون الدوبامين في تصفّح لا ينتهي على مواقع التواصل، في متابعة الرياضة وأخبارها، أو متابعة المسلسلات المفضَّلة.

كان لديهم "عصير كيميائي" موجود ومتوفِّر في كل يوم، يقودهم نحو تحمّل وتحقيق أكثر الأشياء مللًا بالنسبة لنا.

السؤال يجب أن يتحوَّل إلى: كيف نُحفِّز أنفسنا نحن الذين نعيش في عصر الدوبامين؟

هناك ثقافات عديدة تُجيب هذا السؤال، واحدة منها ثقافة "ترجَّل وافعلها!" تلك التي تعتمد على قوَّة الإرادة في كلّ شيء: في فعل الأشياء الجيّدة، ترك الأشياء الضارّة. 

المشكلة أنَّ قوَّة الإرادة محدودة، وإنّنا كثيرًا ما نفشلُ في دفع أنفسنا أكثر، لأنّه ببساطة استهلكنا الطاقة ولم يعد فينا أكثر.

المشكلة تزداد سوءًا عندما تكون دوائرنا الكهربائية مُوصلة بالدوبامين وحياة الإتّصال الرقمي المستمرَّة. ستكون قوة الإرادة أقل، ستتوقّف بشكل أسرع.

هناك طريق آخر، أضمن وأفضل. تخيَّل أنَّك تستطيع توليد طاقة في داخلك، في كلّ يوم، مهما كانت ظروفك، لتمضي بها على تحقيق أهدافك؟ ألن يكون هذا أمرًا عظيمًا؟ 

الأمر ممكن، لكنَّه يحتاج لسلسلة من الخطوات. لا يوجد "علاج سحري" سريع يُعيدك إلى حياة تشعر أنّها أجمل من أي لُعبة، مسلسل، أو تصفّح سلبي يمكن أن يوجد على هذه الأرض.

من أين نبدأ؟ أنا أريد لهذه السلسلة، تذكّر (الأثنين والخميس) أن تؤسس لخارطة طريق، تُعيد للمرء منّا شغفه، وتُوصل ما يجري في داخله لقابس كهربائي واحد يخدم الأهداف التي نسعى لها. أريدها أن تكون كالعمود الفقري، يتحرّك به الجسم ويستند عليه.

أن تكون رجلًا مُتصلًا، يتساوى فيه السرُّ والعلن، يفكّر بشيء ويطبّقه، الأشياء الجيدة تبدو مُحفّزة له، والأشياء الضارة تبدو بغيضة، كم سيساوى هذا؟

الرؤية المُثبِّتة

بدايةً، ماهو سرج الحصان؟ السرج هو حزام خاص، يُثبّت الفارس على ظهر الحصان، ويمنعه من الميلان والسقوط.

كذلك الحال بالنسبة لتعيين رؤية يثبّتك عندما تهبُّ أعاصير الدوبامين العاتية. يجب أن تحدّد لنفسك شيء تتصوّره وتحسّ به، رؤية تثبّتك وتقوِّم ميلك.

أعلم أنّ موضوع "الرؤية" سُحق جيئة وذهابًا من دُعاة التنمية البشرية، لكن الرؤية الذي أتحدّث عنها شيء مختلف، شيء تحتاج أن تحضنه في كل يوم في حياتك.

لو لم تحصل من هذه السلسلة إلّا على هذا الهدف لكفاك. أجدادنا في العصور القديمة ما ملكوا إلّا هذه، وصنعوا مجدًا. هذا الهدف هو الذي سيجعلك تتحمّل الأيّام السيئة، هو الذي يُبقيك تقاوم حين لا تجري الأمور عكس ما تريد.

كيف تعيّن الرؤية المثبِّتة؟

لتحصل على هذه الرؤية، فكّر في أكثر شيء تريده؟ رؤية عندما تغلق عينيك عليها تُبهجك؟ اخترها. هذه هي بداية الشعلة التي تكون معنا على الطريق.

حتّى أساعدك على اختيارها، فكّر في الآتي:

  1. اختر شيئًا واقعيًا: أريد أن أكون لاعب تنس محترف، هل ستكون روجر فيدرر وأنت عمرك 24 سنة وقد فاتك القطار! أنا أثق بك أنّك ستستخدم الموضوع لشيء عملي.
  2. لا تختر شيئًا واحدًا محددًا: بل كن عامًا أكثر. لا تريد أن تقول "أصبح أفضل في دراستي" بل حوّلها لشيء أكبر "أريد أن أكون شخصًا قادرًا على التركيز لفترات مستمرّة"
  3. إذا لم تجد رؤية حاليًا لا بأس! فكّر بتجنّب الأمور السلبية. ماذا سيحصل لو لم تملك شركات الدوبامين محطَّ قبضة تجذبك إليها؟

مثال عملي عن رؤيتي المثبِّتة

عانيتُ فترة حتّى أجد ما أتخيّله، وفي نفس الوقت يكون شيئًا يجعلني أتلوَّى ألمًا في فراشي، وأتحمَّل لأجل تلك الرؤية مصاعب ومشاق.

وقبل أن أقولها، سآخذك في طريق حصولي عليها. أنا في البداية طالب في كلّية الطب، وأنا أحبُّ الكتابة، أتراود بين الأمرين. بنفس الوقت أنا أحبُّ أن أكون أفضل على المستوى الديني، الاجتماعي وحتّى البدني.

ولمَّا نقبتُ عن أسباب قصوري في جميع هذه المجالات، أجدها تُعزى إلى عدم جاهزيتي. ببساطة لا أملك حافزًا يجعلني مثلًا أذهبُ إلى مكان أتبادل فيه حديثًا اجتماعيًا يقوِّي علاقاتي، أو فتح كتاب فيه معاني دينية جديدة (جديدة عليَّ لا تجديد مُبتدع في الدين ها!)

ببساطة، أنا لا أكون جاهزًا عندما تستهلكني خوارزميات الشركات الكبرى وتستنفذ ما أملك من الدوبامين. وعندما لا أكون جاهزًا، أضيِّع الفرص التي تجعلني رجلًا أفضل من نواحي عديدة.

لهذا، وهنا مربط الدابّة ومحطُّ الرحال: رؤيتي المثبِّتة هي أن أكون جاهزًا، في أيِّ وقت لاستغلال الفرصة التي تكون أمامي.

الرؤية المثبِّتة مرنة وغير جامدة

أريد أن أكون جاهزًا، في أيِّ وقت لاستغلال الفرصة التي تكون أمامي.

هذه الرؤية التي تثبّتني، أستطيع استخدامها في مجالات عدّة وأحوال كثيرة. حينما أشعر اليوم أنَّ مزاجي سيكون مع " أريد أن أكون جاهزًا دراسة أكثر" سأستخدم هذه الرؤية. أحيانًا يقودني مزاجي إلى "أريد أن أكون جاهزًا لكتابة موضوع طويل كهذا"

وهكذا، كلّ يوم ستجرِّب طعمًا ومذاقًا جديدًا للرؤية التي تملكها، لهذا حثثتك أن تكون عامّة، وتشمل كافة المجالات التي تعني لك الكثير. بنفس الوقت لا تحاول أن تكون لك "مليون رؤية" هذا كثير، هذا سيشتّتك.

لا تنسَ أنَّ هذه هي البداية فقط. الخميس سأتحدَّث عن مرحلة تنقل فيها الأمر من الأفكار المجرَّدة التي تحدّثنا عنها اليوم، إلى واقع يدوَّن يوميًا وينعكس على حياتك بشكل عملي أكثر. إنتظرني! :)