في مجتمعاتنا العربية و منذ زمن غير بعيد، كان من العادي و الطبيعي جدا أن تجد أسرة مكونة من 8 أو 10 أبناء وبنات، فمفهوم تنظيم الأسرة لم يكن قد ظهر بعد، و حتى الزوج و الزوجة قبل زواجهما لم يكونا يجلسان و يضعا النقط فوق الحروف كأيامنا هاته و يخططان و يتفقا مسبقا عن عدد الأطفال، فشعارهم كان هو "الرزاق هو الله". و مباشرة بعد قراءة الفاتحة تبدأ عملية الترحيب بالمواليد الجدد و مَقدمِهم إلى عالمنا بمعدل طفل كل عامين أو ثلاثة، فتجد أحيانا الفرق في العمر بين الطفل الأكبر و الأصغر قد يتجاوز عشرين أو خمسة و عشرين سنة.
كلنا نعرف هذا الواقع، و أنت الآن يا صديقي تقرأ كلماتي ربما قد مر على ذهنك اسم أحد أقرباءك أو جيرانك الذي استطاع أن يُنجِب فرقة كرة قدم و اللهم بارك. و لا أريد هنا أن أدخل في معضلة عدم توفر موانع الحمل في ذاك الزمن أو ثقافة "كل مولود يأتي برزقه"، لكن في نظري أعتقد أنه من بين الأسباب الأكثر إقناعا هو أن الرجل كان يحسب بمنطق التقاعد! كيف ذلك؟؟
سأحاول شرح الأمر. لقد كان مدخول رب الأسرة محدودا و اسمه ليس مسجلا في سجلات صناديق التقاعد أو الحماية الاجتماعية، فكان يطمعُ (أو دعنا لِنقُل يرجو) أن يجد أبناءه بجانبه في أرذل عُمره عندما يَهِنُ عظمُهُ و يضعُف عودُه و يبيَّضُ شعرُه، و أهم شيء ينضب موردُ رزقه. ربما ستسألني أو تسألينني سؤالا وجيها: " هل كان فعلا محتاجا ليلد 8 أو 10 اأبناء، أليس في ذلك مبالغة؟؟" سأجيبك أن رب الأسرة في ذلك الزمان ربما لم يلِج مدارس و جامعات لكنه كان يفهم منطق الاحتمالات و كان يضع سيناريوهات. و كان يقول في نفسه : " إن حظيت بسبعة أو ثمانية أبناء فعلى الأقل سيكون فيهم اثنان أو ثلاثة أعتمد عليهم في كِبري" ...فبالتالي لو قرر مثلا فقط أن ينجب طفلا واحدا أو طفلين فهذا بمثابة مقامرة غير محسوبة العواقب قد تُكلفه تقاعده!
أما في أوروبا و الغرب عموما فهناك قوانين و تشريعات صارمة في قوانين الحماية الاجتماعية و التقاعد، و كل فرد في المجتمع يخطط لبرنامج تقاعده و بالتالي فالآباء لا ينظرون للأطفال ك "ضامني تقاعدهم" بل يعتمد على ما حَصّله من انخراطات في صناديق التقاعد و ما دفعه له مُشغلوه. أضف إلى ذلك أن الكثيرين هناك يسجلون أنفسهم في دور رعاية المسنين حتى قبل أن يشيخوا و تجدهم يفاوضون هاته الدُّور في الخدمات المقدمة...
طبعا لكل مجتمع خصوصياته، لكن في نظري اذا استمرت العقلية المادية في مجتمعاتنا العربية و تقوت الأنانية و منطق المصلحة على حساب روابط الأسرة الملتحمة. فسيأتي يوم سنحتاج فيه لبناء دور للمسنين ..و ربما كثيرة.
يهمني جدا معرفة رأيك في الموضوع و كيف تنظر لازدياد دور رعاية المسنين في بلادنا العربية؟ خصوصا عندما يتعلق الأمر بمتقاعدين لديهم أبناء قادرين على إيوائهم؟
التعليقات