المعرفة بتعريف بسيط هي الإحاطة والإدراك والوعي، كم كبير مما يكتسبه الفرد في حياته من خبرات و مهارات. 

أما الجهل فهو النقيض تماما، هو الظلام والفوضى... الحيرة والغموض والضياع، لذلك قدسنا العلم وجعلناه قائدا للأمم.

لكن السؤال هو: إذا كان العلم جميل لهذه الدرجة؛ والجهل قبيح ببداهة، فلماذا يميل الإنسان للجهل أكثر؟ أقصد كيف يمكننا أن نفرق بين الجاهل والعالم بحق في ظل الإختلاط بينهما مع قلة العلماء؟ 

يقول أفلاطون:" الرأي هو الوسيط بين المعرفة والجهل" أي أنه لا يمكن أبدا الحكم عن جهل الشخص أو علمه بأي شأن قبل الجلوس على نفس طاولة النقاش والإستماع لآراءه حول الموضوع، تكيفه مع المعلومة ونسبة تقبله للإختلاف، حججه هل هي ثقيلة تحتاج لتفكير ام خفيفة تنسف بسهولة... بعد ذلك نحصل على صورة واضحة المعالم عما إذا كان هذا الشخص أهلا للثقة في أقواله أو لا، هذا الأمر طبيعي و على هذا النحو لا أعتقد أن هناك من يخالف أفلاطون في ذلك! 

لكن هناك أمر يحيرني في واقعنا في ظل انتشار التعالم، ما أراه بأم عيني أن الجميع له رأي يبوح به، والجميع واثق أشد الثقة بما يقول، وبجانب ذلك هناك دائما من يصدق الجاهل ويمشي معه في الخط! خاصة مع انتشار المواقع أصبحت كل الأماكن تشجعنا على إبداء آراءنا بثقة، حتى الجاهل أصبح له رأي يفتخر به! لكم أن تتذكروا أعدادا هائلة من التعليقات لأشخاص مجهولين خلف الشاشات ربما لم يدرسوا يوما! 

يعطيني هذا إنطباعا مقلقا حيال الظاهرة، لأنه بهذا الشكل... إما أن القول الأفلاطوني خاطئ والرأي لم يعد مهما لأنه رغم خطئه هناك عدد هائل من الناس تتبع الجاهل في أقواله وتمنحه رخصة الشهرة والتكلم في أي شأن يرغب فيه بل وتتبعه!... أي أن معايير الحكم بالمعرفة أو الجهل تغيرت، أو هناك فرضية أخرى مخيفة وهي أن واقعنا به خلل عميق من هذه الناحية!

مارأيكم؟ هل حقا الرأي هو الوسيط بين المعرفة والجهل؟ وإذا كان كذلك، فكيف إذن نرى اليوم جهالا يبدون آراءا واهية لا تمت للحق بصلة ويتم تصديقهم والتفاخر بأقوالهم؟ وهل يصبح التفريق بين الجاهل والعالم في ظل انتشار حرية التعبير المزعومة في كل مكان مستحيلا؟ أم أن المعايير في نظركم أخرى مغايرة لمدى ثقل الآراء وأهميتها؟