يشعر معظم الناس بالفراغ في فترات من حياتهم، فقدان المعنى أو الدافع، فقدان الاحساس واليأس العاطفي، وقد يكون ذلك بسبب أمراض عقلية مثل الاكتئاب وانفصام الشخصية أو تجارب سابقة مثل الفقد.
• لماذا نشعر بالفراغ؟
يمكن أن يكون الفراغ إحدى نتائج التجارب التي تعيشها بعد وفاة أو فقدان أحد المقربين، وفي حالة كانت هذه المشاعر شديدة ومؤذية للغاية يتوجب عليك استشارة أخصائي قبل أي شيء آخر خاصة إذا ما أدى الأمر إلى عدم إمكانية تركيزك في نشاطات حياتك اليومية كالعمل والدراسة.
فقدان شخص قريب (وفاة أو انفصال) بامكانه ترك مشاعر وخيمة من الشعور بالفراغ واللامعنى لأنك كنت تعتقد ربما أنه يوفر لك الغرض والاحتياج الذي تريده. كذلك التغيير المفاجئ في ظروف الحياة.
الطبيب النمساوي فيكتور فرانكل أحد الناجين من المحرقة النازية لليهوديين، مؤلف كتاب "الانسان يبحث عن المعنى" توصل إلى طريقته العلاجية (logotherapy - العلاج بالمعنى) متأثرا بتجربته كسجين لدى النازيين. وهذا ما سنعود إليه في نهاية هذا النص.
يؤدي الشعور بالفراغ إلى الشعور باليأس والعزلة والقلق، يصف البعض هذا الشعور بأنه فراغ في صدورهم "أشعر أنني فارغ مثل دلو" وعادة ما يلجؤون إلى أشياء استهلاكية معتقدين أن الامر سيخفف عنهم مثل التسوق وحيازة الممتلكات (هنالك دراسة تشير إلى أن الذين ينفقون أموالهم في تجارب يحصلون على سعادة أكبر من الذين ينفقونها لامتلاك أشياء)، وكذلك تعاطي المخدرات والأكل أو أي شيء على الاطلاق يمكنه إعطاء قليل من المعنى أو ملئ الفراغ، في حين يمكن ممارسة نشاطات أكثر إشباعا للاحتياج العاطفي مثل العمل التطوعي أو رعاية حيوان أليف والممارسات الروحية (الدينية).
• الشعور بالفراغ أثناء علاقة عاطفية
الأسباب:
- الاعتماد المفرط على الشريك لتلبية الاحتياجات العاطفية.
- عدم تلبية الاحتياجات العاطفية في العلاقة.
- عدم وجود اتصال عاطفي أو وقت ممتع أو اتصال جسدي.
- الضغوطات المستمرة من ظروف خارجية مثل العمل.
- الخيانة.
- مشاكل الصحة العقلية (قد يعاني شريكك مرضا عقليا ولا يمكنك فهم ذلك أو تشخيصه دون الاستعادة بطبيب مختص. ليس كل مرض عقلي يجب أن يبدو في شكل انفعالات أو تصرفات مبالغ فيها أو أي معايير نمطية لمعرفة الاضطراب).
*الشعور بالفراغ العاطفي ليس مبررا لانهاء العلاقات العاطفية، قد يكون نتيجة لسوء التواصل والفهم، ويمكنك استشارة أخصائي للمساعدة. لكن قد يكون مؤشرا للتفكير في نهاية العلاقة إذا كان الدافع هو عدم التوافق والاساءة.
• الشعور بالفراغ والروحانيات
في البوذية مثلا يرتبط مفهوم الفراغ بمصطلح Sunyata للتعبير عن حالة تأملية، بالتخلي عن الأنا والرغبة من أجل تحقيق الانفتاح والسلام الداخلي والتقبل، هدف هذه التجربة هو إدراك التجربة دون ارتباط بالذات والأنا. كما توجد تجارب روحية مشابهة في الديانات الابراهيمية لنبذ التعلق بالذات والملذات الدنيوية. كثيرا ما تساعد الممارسات الروحية لملأ الفراغ لدى المتدينين وإعطائهم المعنى في أهدافهم المنشودة وغاياتهم.
• Logotherapy العلاج بالمعنى
مختصر فلسفة فرانكل يعتمد على:
- كل شخص لديه نواة أو أصل داخلي صحي.
- يجب أن يضع تركيزه في معرفة موارده وامكانياته ثم تزويدها بالأدوات اللازمة لاستغلالها.
- تمنحك الحياة الشعور بالهدف والمعنى، لكنها لا تدين لك بمنحك شعور الانجاز والسعادة.
تعتمد تقنية العلاج بالمعنى على:
- إنشاء عمل والقيام ببعض المهام.
- خوض تجربة للوقوع في الحب.
* رأي شخصي: قد ينفع الوقوع في الحب في حالات محددة وفي علاقات صحية مبنية على تقدير الذات لعدم ترك حيز واسع للشريك وجعله مصدرا أوليا لإعطاء المعنى، وقد لا ينفع أبدا ويكون مهلكا أكثر من كونه نافعا في حال كان سبب هذا الفراغ من البداية هو الخروج من علاقة، حيث ستحتاج إلى فترة للتعافي وإعادة ثقتك في نفسك وترتيب ذهنياتك لتفادي مصاصي الدماء والوقوع في حب أهوج فقط لأجل سد الثغرات وتكرار تجربة مريعة أكثر فشلا.
- طريقة تعاملك مع المعاناة التي لا مفر منها.
لدى فرانكل المعناة تجربة طبيعية كجزء أساسي من الحياة، وأن أقصى درجات حرية الانسان تتمثل في اختياره لطريقة تعامله مع مختلف الظروف حتى تلك المؤلمة جدا.
يمكنك إيجاد المعنى المناسب عن طريق إيجاد الدور المميز الذي يمكنك القيام به، على سبيل المثال.. عندما استشاره شخص يعاني من اكتئاب حاد بسبب فقدان زوجته طلب منه فرانكل أن يعكس الأدوار ويتخيل أنه هو من سبق وفاة زوجته وأي ألم ستكون زوجته مجبرة على تحمله، فهم المريض لهذا العامل يجعله يدرك أن معاناته أنقذت زوجته من تجربة فضيعة. هذا السؤال البسيط كان عاملا علاجيا مهما أدى إلى تخفيف اكتئابه.
• تقنيات المعالجة بالمعنى
- إعادة توجيه التركيز: عندما تكون شديد الانغماس في قضية ما أو تحقيق هدف، ستيع توجيه انتباهك بعيدا عن الذات.
- عادة ما نفكر في الشيء الذي نخافه أكثر من أي شيء آخر، خاصة بالنسبة للأشخاص الذين يعانون من القلق والرهاب، لكن باستخدام الفكاهة والسخرية من هذه المخاوف يمكنك حتى أن تتمنى حصول هذه الأشياء التي تسخر منها، مما يزيل هالة الخوف عنها والتقليل من القلق.
- الحوار السقراطي: يستخدم خلاله المعالج كلمات المريض لاكتشاف ذاته عن طريق الاستماع باهتمام لما يقوله، ليساعده على رؤية معاني جديدة في كلامه. تتيح لك هذه التقنية فهم أن الإجابة دائما في داخله وأنها بانتظاره لاكتشافها.
يساعد العلاج بالمعنى أيضا في حالات مرضية أخرى مثل تعاطي المخدرات وتوتر ما بعد الصدمة، الاكتئاب، والقلق.
أحد أهم الانتقادات لهذه الطريقة العلاجية جاءت من مؤسس الحركة الوجودية في الولايات المتحدة "رولو ماي"، حيث يعتقد أنه من غير المنطقي أن هذا العلاج يقدم حلولا واضحة لكل المشكلات وأن فرانكل يشترط إيجاد معنى، لكن فرانكل دحض هذه الفكرة برفض تحمل الطريقة العلاجية للمسؤولية كاملة وإلغاء دور الشخص وحلوله، بقدر ما أنها ببساطة تساعد المعالَج على تثقيفه حول مسؤوليته.
• الفراغ والوجودية
تنظر الوجودية إلى اللامعنى أنه حقيقة من حقائق الحياة مثل الموت، وأن الناس يستطيعون إيجاد المعنى في حياتهم الخاصة.
• ماذا وجدت عندما بحثت عن المعنى؟
لا أجد شيئا لأختم به هذا النص كحوصلة لتجربتي الشخصية أفضل مما قالته لي صديقة، في وقت كنت أشعر فيه بخواء ولا معنى شديدين.
-ما المعنى؟ كيف أجد المعنى؟
-ستجد المعنى عندما تتوقف عن البحث عنه، مارس حياتك، أحب ما تفعل. لا تبحث عن المعنى ليجدك!
مصادر:
- https://www.goodtherapy.org...
- https://www.goodtherapy.org...
- https://ar.wikipedia.org/wi...
- https://en.wikipedia.org/wi...
إستشارة طبيب مختص دائما ضرورية في حال كنت تشعر أنك لست بخير.
التعليقات