يقوم المجتمع العربي بوضع بضع مواضيع ضمن خانة مميزة بالأحمر أسماها بالطابو، وهي مجموعة مواضيع لا يفتحها أبدا كصرّة امرأة عجوز. ولعل أشهر ثلاث طابوهات في العالم العربي هي "الدين والجنس والسياسة".

يقوم العربي بمختلف انتماءاته الإجتماعيّة إلى كسر هذه الطابوهات والحديث عنها في مناسبات خاصة وفي أماكن خاصة و في أوقات خاصة ويصوم عن فعل ذلك في العلن...

لا يمكن لأي كان أن ينكر بأن معظم الناس يتحدثون مع أصدقائهم أو الأشخاص المقربين منهم عن الجنس والخيالات الجنسية والرغبات التي تغمر المتحدث فتؤججه، ولكن، وعندما يخرج المرء للعلن ويتحدث عن الجنس وحتى لو بطريقة محترمة كالإعلامية ميسلون نصّار (التي وحتى الآن تواجه انتقادات لاذعة بسبب حديثها التوعوي عن الطابوهات وهي تكثر من الحديث عن الثقافة الجنسية حتى دفع بها الأمر في إحدى حلقات حصتها في فلك الممنوع إلى الرد (وهو أمر لم تقم به قبلا) والقول لكل من ينتقدها ويقول "أنتِ لا تملكين غير هذا الموضوع للحديث عنه" وتقول أن النقاشات تثقيفية وليست لفتح الطابو فحسب) عندما يقوم مثل هذا الشخص بالحديث علنا وليس سرا عن الجنس، تثور ثائرة الناس وكأنه سرق أو قتل (ويمكن ألاّ يثوروا بنفس الهمّة إذا هو قتل أو سرق)، فيجد الشخص نفسه يشعر وكأنه نجس وسط بيئة تصدّر العفّة والطهارة، ويتثبّت في عقل الطفل فكرة أن الجنس أمر سيّئ فيتقوقع على رغباته الجنسية ومشاكله الجنسية خاصة بعد مرحلة الإدراك وخلال مرحلة المراهقة، ظنا منه أن الجنس شيء نجس وأنه وسخ رغم أن والده يمارسه مع والدته كل ليلة تحت مسمعه.

الدين وهو الطابو الأكبر. وكم من كاتب ومثقف قتل على يد جماعات وأناس نصّبوا أنفسهم محامي الإله على الأرض. وحتى ولو كان النقاش العلني عن الدين أكاديميا وليس جارحا بلغة الشوارع، يجد الفاتح لهذا الطابو نفسه محلّ لوم وسخط فقط لأنه وفي داخله هو يدرك بأن دينه قابل للنقاش مثل أي دين آخر، وهذا ما قاله صديق لنا يوما حينما كنّا نتناقش في موضوع الدين قال " أرجوك أن لا أريد أن أتعمّق في الدين لأنني أخاف من التشكيك فيه ". وهذا الخوف القابع في قلب كل شخص (بنسب متفاوتة) أبقى الحديث عن الدين في دائرة ضيّقة، ويتعرض كل فاتح له إلى المضايقة والقتل والتنكيل في أبشع صور التخلّف الممكنة.

السياسة.

وإن كان هنالك مكبّ لنفاية سياسة العالم، فإن السياسة العربيّة أم هذا المكب، وهي أسوأ من الفاشيّة والنازيّة بأضعاف. ولأن الحكام العرب الأبديون الذين كتب لهم الموت على كراسي الحكم، لا يرغبون بأن تتحدث أو يتحدث الجميع عن السياسة علنا. ضربوا بيد من حديد الأنظمة الدراسية وأرجعوا من المدرسة (مصنع الأجيال) مؤسسة هدّامة تعلّمك الإيمان بسياسة الرئيس الذي أتى على ظهر دبابة أو أتى في سيارة وهو يلبس بذلة عسكر أو أتى في زي مدني وعلى قلبه يقسم بالولاء للعسكر ثم العسكر ثم العسكر ثم كل العالم ثم شعبه أو يأتي خالدا مخلّدا على كرسي ورّثه له أبوه كما تورّث قطعة أرض مملوكة للعائلة.

كيف يمكن حمل مثل هذه المواضيع من أروقتها الضيّقة إلى العلن ؟.

إن ما يحدث في العالم العربي لهو مجزرة بحقّ الثقافة والإزدهار. ويمكنني أن أفهم نظرة الأوروبي عندما ينظر إلى تخلّف العرب بعدما نظرتُ بنفس النظرة إلى تخلّف رجال الشرطة الإيرانيين الذين هجموا على مجموعة من الفتيات أقمنّ مظاهرة دعينّ فيها إلى إلغاء قانون إلزاميّة إرتداء الحجاب.

الأمر كلّه عبارة عن طريق ليس بالإمكان تمهيده دفعة واحدة، بل هو كحجارة بناء واحدة تدعم الأخرى، ويمكن أن تحمل أسماء كثيرة كـ "مدرسة بنّاءة" و"ثقافة أسريّة" و"ثقافة مجتمعيّة" و"ثقافة فرديّة"و"إنفتاح" و"تفهّم" و"إنصات"....

وإن حمل مثل هذه الطابوهات إلى الإنكسار يفتح المجال أمام النقاش الإبداعي والثقافي الحقيقي، وإن حلّ الطابوهات الكبيرة يعطي نوعا من الجو المناسب لحل ومناقشة المشاكل الصغيرة الأخرى بحكم أن هذه الطابوهات مرتبطة بكثير من المشاكل في المجتمع فقط بسبب أن الأخير لا يفتحها، فهي كأي مادة عضوية تركت على الأرض فتعفّنت، أو معدن أهمل فصدأ...هكذا هي الطابوهات.

فموضوع الجنس المسكوت عنه ولّد تنمرا بحق الفتاة التي هي طفلة صغيرة لكن ثدييها أكبر من الأخريات، فتحزن وتكتئب لكن لا يمكنها الحديث مع أمها أو أختها فقد علّموها في كل مكان أن كل حديث يخص الجنس والأعضاء الحميميّة سيّء. نفس الموضوع المسكوت عنه يدفع بعدد لا يحصى من المثليين إلى الإنتحار وهذا ما فصلنا فيه في مقالتنا الأخرى " اعتنِ بشخص ما قبل أن يقدم على الانتحار".

موضوع الدين المسكوت عنه وغلق باب النقاش فيه جعل الكثير من المؤمنين يضيعون بسبب تناقض قد يعثرون عليه في دينهم لكنهم يسكتون عنه لأن الحديث عن الدين المعصوم حرام، فيخرج مثلا من يكتب "صحيح البخاري نهاية أسطورة" فيسقط قصر عمود السنّة ويزيد ضياع الذي كان أصلا مشككا خائفا. ثم نفس الدين المسكوت عنه ولّدت منه السياسة العربيّة ما يسمى بالإسلام السياسي، فتخرج أحاديث من العدم تدعم ملكا أو رئيسا وطاعتهما، تدعم أجندة ما وتجنّد المدنيين المساكين في بلدان أخرى، وتساعد في تمرير القوانين..

أمّا السياسة المسكوت عنها حدث ولا حرج، فنتائج عفن السكوت عنها يعيشه العربي على مدار الساعة.