"نشرتُ مقالتي هذه في منصة أخرى إلا أن القائمون ربما لم تعجبهم الأفكار الواردة فيها".
يتّفق الجميع في أن دور المرأة في العالم العربي قد تراجع كثيرا مقارنة بالأزمنة الغابرة التي شهدت لمعان أسماء إناث كثيرة أمثال "لالا فاطمة نسومر" و"الملكة تنهنان" من الجزائر و"درية شفيق" من مصر و"مي زيادة" من لبنان وفلسطين و"أسمهان" من سوريا وأخريات كثر.
وإن تمّ مقارنة بريق هؤلاء النسوة سابقا ببريق النساء حاليا فالأخير كضوء يراعة صغيرة في نور الشميس. والسبب يعود في مجمله إلى التقاليد العربيّة والدين الإسلامي والعقليّة الذكوريّة التي تحببها حتى بعض النسوة وتفضلن الطغيان على أبسط حقوقهن في تجل واضح لنتائج الغسيل الدماغي من بعض الذكور الذين يستخدمون قدرتهم على الإقناع بطريقة شريرة تسرق من الآخر حقه في العيش الكريم. فلو فرض على الذكر المهيمن حياة الذل التي تعيشها المرأة العربيّة لكفر من القهر.
لقد نشأ العربي في بيئة قاسية لا تخلو من الحر والقيظ فيما يخصّ المناخ الذي يلعب دورا مها في تكوين عقليات الأفراد. وكذلك الحروب التي خشّنت طباعهم وأذهبت كثيرا من اللين فيهم، إضافة إلى التشدد في الدين الذي دفع بدور المرأة إلى الوراء كثيرا حتى انمحى دورهنّ في بعض الدول بشكل شبه كليّ.
تعتبر حقوق المرأة في العالم العربيّ مهضومة بسبب سلطة الذكر وجعل هذه المرأة مباحة للوم من قبل الأخ والعم والخال والجار والقريب والبعيد. وبسبب فقط أنها ولدت أنثى، فرضت عليها التقاليد البقاء في المنزل وعدم التفكير في اتخاذ أي قرار دون استشارة الزوج وآخرين كثر في حالات أخرى.
لكن ما الذي تغيّر وجعل دور المرأة ينحصر وينكمش إلى هذا الحد ؟.
لقد جعلت العولمة من المجتمع العربي مجتمعا ممزقا لا يعرف إن كان سيجري خلف التقدم أو يحتفظ بتقاليد بالية عفا عليها الزمن، وفي تجربة يائسة من مزج الإثنين، أتت النتائج بمجتمع ذكوري استند في حكمه الجائر حول المرأة على أباطيل كأحاديث صحيحة وغير صحيحة وتأويلات انفراديّة للقرآن حتى يصبح على مقاس الرغبة الذكوريّة في الهيمنة على المرأة.
في السعوديّة مثلا وفي عام 1990 أفتت هيئة كبار العلماء بحرمة قيادة المرأة للسيارة، وقد طُبّقت الفتوى على النسوة من 1990 إلى سنة 2017 أين ألغي من طرف الملك سلمان (وبدأ تطبيقه في 2018) ثم سارعت نفس الهيئة إلى الترحيب بالقرار وقد قال الشيخ عبد الله المنيع عضو في نفس الهيئة أن الأصل في قيادة المرأة للسيارة الإباحة، ثم المسارعة من قبل العلماء الذين أفتوا بالحرمة سابقا أو التزموا الصمت إلى الحديث عن الأمر والقول أن لا نص صريح يمنع المرأة من القيادة. ليبقى المرء يتسائل، هل الإسلام من تغيّر أم مصالح الناس؟.
لم يتحدث أحد عن أي تعويض معنوي عن كل الأذى الذي لحق بالمرأة السعودية على مدى 22 سنة بسبب قرار مجحف كهذا واقتصر الأمر على فتاوى أخرى تلغي الأولى ليبقى هذا أو ذاك لعبة في أيدي المفتين.
ليس وكأن المرأة في الدول العربيّة الأخرى أفضل حالا، إما من جانب الحقوق الإجتماعية أو القانونية أو الممارسةاليوميّة أو الحريّات الفرديّة.
في موريطانيا والسودان تختن الإناث للحد من رغبتهنّ الجنسيّة، في إيمان تام بأن للرجل الحق الكامل في امتلاك رغبته الجنسيّة كلّها بينما العفة والشرف كلّه في المرأة.
مصطلح الإغتصاب الزوجي يمكن أن يكون جديدا على مسمع البعض، لكنها حقيقة متفشية كالوباء في العالم العربي بسبب أن لا قوانين تردع مثل هذه الممارسة البربريّة. فلقد تعلّم الذكر على يد مجتمعه الذكوري أن المرأة دائما في المركز الثاني بعده، وقد لا يطيق أحد الذكور رؤية فتاة أنجح منه وهو الذي تغذّى دماغه على كلام مفرده أن الرجل الضعيف امرأة وهنا لا أحد يقصد الجانب الفزيائي أو الروحي، بل كل ما يخص الاحتقار المحض.
لقد جعلت العقليّة العربيّة من المرأة العربيّة دمية جنسيّة، تباع وتشترى مثلما كان يفعل مع الإماء فيما مضى. وبما أن الذكر العربي على يقين بأن المرأة لا تفيد في شيء سوى الجماع، وأنها كالقفل للمفتاح وليس العكس، قرّر نكاح مثنى وثلاث ورباع، بينما لا يسمح للمرأة في الجزائر بالحضانة إن هي عاودت الزواج من رجل آخر وفقا للمادة 66 من قانون الأسرة.
وإن أسمى مظاهر الطغيان الذكوري على المرأة هو تصنيفها في خانة الفتنة وجعلها مساوية لهذه الكلمة. وقد جعلت مجتمعات عربية كثيرة خاصة المشرقيّة منها، جعلت من المرأة حاوية فتنة تمشي بقدمين، فيجبر الذكر الأنثى على تغطية كل شبر من جسدها بطريقة تجعل الغريب يسأل إن كان العربي يفكّر بعقله أم بخصيتيه.
لقد ناضلت كثير من النسوة في العالم العربي ضد الذكوريّة التي تخنق صوت المرأة كالكاتبة أحلام مستغانمي التي لا تخفي حنقها على الذكور في رواياتها، وكذلك الكاتبة الراحلة نوال السعداوي والتي كان جزء كبير من كره المجتمع العربي لها (الأغلبية الساحقة التي لا تقرأ) بسبب دفاعها المستميت عن المرأة حتى آخر أيامها.
هكذا وعلى مرّ العصور، انحدر دور المرأة العربيّة من السمو إلى الحضيض، ومؤخرا، وجد أصحاب العقول الضيّقة في منصات التواصل الإجتماعي مكانا لنشر سمومهم حول المرأة وكل ما يمكن أن يحضّ من قيمتها.
وكتجربة شخصيّة، قرأتُ تعليقا في منصة اليوتيوب كان حول أغنية الضمير العربي التي تعدّ من أنبل الأغاني التي تحمل رسالة مهمة للعالم. وكنتُ أنتظر أن أقرأ عن بعض العقول المستفيقة وبعض الضمائر التي وخزتها كل صور الدمار تلك وجعلتها تشعر بضرورة التغيير، إلا أنني صدمتُ بتعليق من شخص كان الأحرى له أن يعلّق على مظاهر البؤس والشقاء، لا أن ينتقد الفنانات في الأغنية ويقول أنهنّ يغنين "بصدور عارية" حسب قوله.
للتواصل مع الكاتب :contacwriter@gmail.com
التعليقات