إبقاء طاقتك مُنسجمة مع ما تريده من نفسك، أمر بالغ الأهمّية، فتخيّل أنّ لك حصّة من الماء، وهذه الحصّة تستخدمها في تنمية قطعة من أرضك، والماء مورد ثمين عند العرب، أما تراهم يدعون للحبيب بسُقيا الغيث؟ لو ركّزت ماءك على أرضك، أثمرت وأينعت، ولو سمحت لهذا الماء أن يتسرّب إلى أرض خبيثة بجوارك، نمت أشجارها الخبيثة، وتجاوزت على أرضك، والتفّت على نباتاتك الفتيّة، حتّى أنّك صاحب الأرض، يتضايق مقدمك فيها، ويعود التجوّل صعبًا شاقًا، فتنفرُ من تنمية أرضك وتزكيتها.
تخيّل أنّك زوج مُخلص، يحبّ عِرسه وأولاده جدًا، ثمَّ عرضت لك فتاة فاتنة، ولسبب ما، غرّك حسنها، وليس ذا ببعيد، وإنّي أظنّه من الفطرة، المهم، تخيّل أنّك أردت الحصول على هذه الفتاة بأيِّ طريقة، ولم يزدك شعور المنع إلّا رغبة وشوقًا. ربما لم ترد هذا، لكن هناك أجزاء من طاقتك وانتباهك، تسرّبت إلى حيث لا تريد، وأنهكت مستودعات الطاقة التي تريد تخصيصها لأمور أهم.
الذي حصل هنا، هو أنَّك – في هذا السيناريو المفترض- علّقت جزءً من مكانتك الداخلية، على أمر خارجي، فسعادتك وقيمتك أصحبت مرتبطة بنيل تلك الفتاة، بعبارة أخرى، حبستَ قطعة من روحك، ورهنته بشيء خارجي، وصار ذلك همّك، وهذا أحد أشكال تسرّب مورد الماء من دون رغبتك وإذنك، ليسقي أرضًا خبيثة بجوارك
تستطيع التعامل مع الموقف من زاوية منطقية، فقد تقول بفزع: هذا يضرّ بسمعتي ومروءتي، هذا عيب، هذا حرام، وإن كان هذا كافيًا في الكثير من الأحيان، لكنّه قد يُبقي شيئًا من الرواسب في الروح، هناك أجزاء عاطفية فينا لا تفهم هذا المنطق كثيرًا.
لذلك فلتجرّب أن تنظر للموضوع من زاوية تفهمها الأجزاء العاطفية، تخيّل أنّك حصلت على هذه الفتاة، قضيت منها وطرًا، ونلتَ منها ما تريد، ولا أحثّك هنا أن تتخيّل سيناريوات مشوّقة، أو مواعيد غرامية، مدوّنتي ليست لهذه الأشياء، وهل يُعطي العطيةَ فاقدُ؟ الفكرة أن تتخيّل حالك بعد حصولك على ما تتمنّى، اذهب إلى نهاية القصّة، وحاول أن تتخيّل كيف يكون شعورك؟ ولا تدّعي الكمال وتقول أنّك ستشعر بالندم، ستشعر بشعور مُبهج، بالرضا والسعادة.
الفكرة هنا، ما دُمتَ تشعرُ بالسعادة في هذا التخيّل، أنت قادر على أن تشعر بذلك بدون الحاجة لما في التخيّل، فإذا كُنت تريد رضا وسعادة فهذا أنت! هذا ما يُفترض أن تكونه في أيّامك العادية، حينما تقوم بما عليك من أعمال، وتحقّق ما تخطّط من أهداف، لكنّك هنا قد حسبتَ قطعة من نفسك في لعبة وهمية تُشعرك بالمكانة والقيمة.
عندما تستخدم هذا الخيال بصورة مستمرّة، ستقلّل الوقت الذي تحتاجه كل مرّة للإفراج عن روحك، ستصل لمرحلة تُردّد فيها ثلاث كلمات، وينتهي كل شيء، تقول لنفسك حينما يُواجهك موقف مماثل: رُدَّ إليَّ قُطعتي، وهكذا تعود سريعًا إلى إتزانك، وتغطّي تلك القطعة موضع تسرّب الماء، وهذا مُفيد جدًأ أن تمنع طاقتك من أن تتسرّب وتسقي حقولًا لا تُريدها، حقول مشوبة بالنباتات الخبيثة التي تُريد أن تلتف عليك وتخنقك.
في المرّة القادمة، لن يكون هذا الموقف الذي يدفعك من الإتزّان مؤجّجًا لشوق مزعج فيك، لا تقدر أن تتحكمَ فيه، بل سيكون تذكيرًا أنّك ترهنُ قطع من نفسك في سجون وهمية، وسيكون موقفًا تحتفلُ فيه أنّك أرجعتَ موردًا للسقي، من حقل خبيث، إلى حقل يستحقُّ أن تُنمّيه.
هذا شيء من التلخيص لمقال كتبته مؤخرًا، قد يُساعدهم في هضم الفكرة أكثر!
التعليقات