البشر بطبيعتهم كائنات عاطفية إلى حد كبير، إنها إحدى الهبات التي أعطاها لنا الله سبحانه وتعالى على درجات مختلفة، يعبر كلًا منا عن عطفه بطريقة تختلف عن الآخر، حسب شخصيته والبيئة التي تربى فيها ومعتقداته، وهذا العطف الذي نعطيه للآخر يمكن أن يزيد أو يقل حسب وضع الشخص، فالشخص المكسور والحزين والمكتئب يتلقى تعاطف زائد من الآخرين بالفطرة، لكن هل هذا الأمر حقًا يساعده؟ أم أن التعاطف الزائد معه يمكن أن يأتي بنتائج عكسية؟

التعاطف مع الآخر أمر إيجابي وجيد بلا شك، إنه يشعره أنك تهتم به، ترعاه، وتدعمه، وكل البشر على اختلاف مستوياتهم وأوضاعهم وأعمارهم يحبون أن يشعروا بالدعم والرعاية والاهتمام، لكن في بعض الأحيان يمكن أن يكون الإفراط في التعاطف مع شخص حزين أو مكتئب بمثابة عبء أكبر عليه، تشعره بالضغط وتتسبب في توتره أكثر، حتى أنك ربما تدفعه لأن يتجنبك أو يتجنب الحديث معك، ولا يعني هذا أن ما تعطيه له سيء، ولكنه يعني أنه زائد عن احتياجاته، فلنتخيل معًا مثال بسيط على هذا:

تخيل أنك جائع للغاية بصورة لم تشعر بها من قبل " مشاعر الحزن والاكتئاب "، ووصلت إلى المنزل فوجدت والدتك قد أعدت لك مائدة ممتلئة بالطعام وبدأت في إطعامك صنف بعد صنف " منح التعاطف "، وبدأت أنت في الشعور بالشبع " الاكتفاء من تلقي العطف "، لكن والدتك تشعر بالشفقة عليك لأنك لم تتناول شيئًا طوال اليوم، لذا فهي مستمر في إعطائك المزيد " التعاطف المفرط "، ماذا ستفعل؟

سيكون أمامك شيء من اثنين:

الأول أن تتحمل وتستمر في تناول الطعام لأنك تراعي مشاعر والدتك، وهذا سيزيد من شعورك بالألم في المعدة، وربما تكره الطعام الذي كنت تتمناه قبل دقائق.

أو أن تطلب من والدتك التوقف عن إعطائك المزيد لأنك لا تحتاجه، وهذا ربما يجرح مشاعرها.

هذا بالضبط ما يمكن أن يحدث مع الشخص المكتئب الذي يتلقى العطف المفرط، إنه سيكون بين شقي الرحى، أيخبرك بكل بساطة بالتوقف عن هذا لأنه يثقل صدره؟ أم يتحمل ما تقدمه له ويصبح عبارة عن بالون منتفخ بالتوتر.

لذا أعتقد أن الاعتدال في منح التعاطف للآخرين، لاسيما من يمرون بأوقات عصيبة - نظرًا لحساسيتهم المفرطة - يكون هو الخيار الأفضل للطرفين، بالنسبة لك أنت هل ترى هذا أيضًا أم أن لك رأي آخر؟