ربما لأنها لا تهمني. إسقاطاتك على نفسك ليست بالضرورة تنطبق عليّ. أنت لا تنصحني، بل تروي لي وجهة نظرك عمّا يحدث لي. لستُ مُجبَراً على قبولها، ويمكنني مقاطعتك في أي لحظة.

كيف تنصحني هو ما يهم.

لا أن تقدم لي اقتراحات إجبارية. لم أصل بعد إلى السن الذي أنت فيه، ولم أمرّ بتجاربك الخاصة، بل إني حتى لا أعلم بوجودها. أعرف كيف آكل، أمشي، بل لا أحس بأي أحد لا يمشي، لأني لم أجرّب الأمر. لماذا تستحضر لي المآسي؟ أتركني أعيش لحظتي. عندما نصل إلى تلك النقطة، قد أستمع إليك. الخطأ ليس مني، بل منك. ألم تلاحظ أني لا أرغب في سماعك؟ ومبررك الوحيد: أنك تهتم بي.

أتركني أَصطدم بالجدار. نصحتني، انتهت مهمتك. سأقبل ما أراه ملائمًا لي، بل قد أقول لك: "حسنًا"، أو أكتفي بهزّ رأسي، لا كنوع من القبول، بل كإجابة تعرفها ولا تريد سماعها.

إن كنتَ تريد نصحي، فكن قدوتي. إن كنتَ تريد نصحي، فلا ترسم لي خط نجاح وهمي، وقد سلكتَ غيره. لا تُعطني علبة سجائر كي أقرأ عليها عبارة: "التدخين يسبب السرطان".

فتحت لي بابًا على عالم ربما لم يُصنع لي. عمري خارج تلك التصنيفات العمرية. وكونك من الجيل القديم، إذًا خذ نصيحة مني: تعلّم.

تطلب مني أن أحترم غيري، لكني لا أرى هذا في المربع الذي بين يدي. ومع هذا، قد أجد نفسي مكانك يومًا: أبًا، أمًّا، أخًا أكبر، أو أحدا آخر أفراد العائلة يهمه أمرها.

قد أبدو غير مهذب، لكن تفكيري نتاج ما زرعتموه فيّ، أو ساعدتم على زراعته.

سأتقدم في العمر

سأضطر لطلب النصيحة. قد أجد مهتمًا، وقد أُقابل في كثير من الأحيان بنظرة ازدراء. تغيّرت الآية، أصبحتُ أنا من يطلبها. زادت خبرتي في الحياة، التقيت بأناس، بعضهم جيد، وآخرون أفضل ألّا أتحدث عنهم. الطيبون ينصحون بحسن نية، لكن الإكثار يبدو مزعجًا. لقد مرّ أكثر من ربع العمر، نفس الكلمات، نفس الرنّات، بل بدأتُ أَشعر بها تدخلًا في حياتي. بدأتُ أُقلّل النقاشات. نصيحة؟ لا، لا أريد.

لا اعرف إن كانت لحظة إدراك

رأيتُ طفلًا يركض، طلبتُ منه الإبطاء، مالذي أفعله، أعتقد أني أقدم نصيحة، لا اعرف السبب، هل أرى نفسي في ذلك الفتى. نظر الفتى إليّ نظرةً عابرة، وأكمل ركضه. قد لا يكون جرب السقوط، لكن الكدمات على جسده تقول العكس. هل تعلم؟ ربما لا. يبدو عليه السعادة، ربما كان ذلك "نعيم الجهل"، وربما كسرٌ في ساقه يمنعه من المشي سيُعلّمه درسًا. المشي... ألم أتحدث عن هذا من قبل؟

لا نعلم إن كانت النصيحة من غيرنا صحيحة أم خاطئة، أو حتى الطريقة التي قُدّمت بها.

إلا نصيحة الأهل

بالرغم من أني تجاهلتها سابقًا، إلا أني وجدت أثرها فيّ. بدت مبهمة في بدايتها، غير واضحة المعالم، لكن يمكن الانتقاء منها ما يصلح لحالتي. وستجد الكثير، حتى وإن اختلفت الأجيال.

أما غيرهم — أصدقاء، زملاء، أو حتى أعضاء في عصابة — فليس بالضرورة قبول النصيحة منهم، خصوصًا إن كانت لغرض لا يتوافق مع مبادئك.

بدأنا بصبيٍّ رأسه من حجر، إلى صبيٍّ رأسه من حجر. كيف ننصح، ونحن من قد فشلنا من قبل؟ إن كان ترك المدرسة قد نجح معك، فليس بالضرورة أن ينجح معي. دعونا من الاقتراحات الإجبارية. يمكننا أن نتعلّم كيف نُصغي، ونتعلّم كيف ومتى نُقدّم النصيحة.

فكيف ننصح جيلًا… لا يرى نفسه فينا؟