أنا فاطمة، جاية وماسكة في إيدي "متلازمة الخروج مع الذات"، وبفكّر: ليه الإنسان منغلق بشدة مع ذاته في حين إنه منفتح مع الآخرين! وليه بيتفنن في تدليل الآخر، وعلى الجهة الأخرى بيبتكر أحدث الطرق لجلد ذاته!
أطباق كتير، وأصناف متعددة من أشهى أنواع الطعام، مائدة مرتبة ونظيفة، وتجاهل تام لآلام الظهر واحتقان عصب القدم، نتيجة وقفة المطبخ، وعدم الإفصاح عن الاحتياج التام للمساعدة. أفعال منمقة بالكثير من الحب، حب الآخرين، وتجاهل قاسٍ للذات. ده نموذج بسيط بيحصل كل يوم في كل بيت مصري: الأم والتضحية وانصهار الذات في سبيل سعادة الأسرة وعدم تذمرهم غير المبرر.
السؤال هنا: ليه؟
في إحصائية بسيطة جدًا، لقيت إن معظم الأمهات المصريات حاطين أنفسهم في المرتبة الأخيرة بعد أولادهم وأزواجهم وأسرتهم عمومًا. حاجة تبان من شكلها الظاهري إنها أسمى أنواع الحب والإيثار، لكن ليه مجتمعنا عنده خلط شديد بين الواجبات وبين تهميش الذات ونسيانها؟
طاولة صغيرة، وفتاة شاردة، مسكينة لا تعلم أن الأُنس إن لم يأتِ من الذات فلا طَعم ولا روح له. كانت مرحة بشدة يوم أمس، تضحك وتأكل وتتحدث وتلمع عيناها بالكثير من الحب، لماذا أصبحت خاوية وبلا معنى عندما وجدت نفسها في موعدٍ مع ذاتها؟ رغم ما حولها من جمالٍ! كيف لإنسانٍ أن يربط سعادته وأُنسه بما حوله هكذا؟!
وعلى هذا الحال، مشاهد كتير من الحب والتجاهل في آنٍ واحد: هدية منمقة، طبق شهي من أكلة مفضلة، تأجيل ضروريات مُلِحّة للذات من أجل سعادة وحب الآخرين. أفكر كثيرًا: من الذي قاد هذه العاصفة؟ من قال إن الحب بالضرورة يجب أن يُقدّم على حساب تجاهل الذات المفرط؟ ومن قال إن الأمومة تنحصر في تضحية الأم من أجل أن تحظى أسرتها بالسعادة!
من يُقدم الحب عليه أولًا أن يحظى بالحب، أن يغدق ذاته بالدلال مثلما يفعل مع الآخرين. الصديقة المُحِبّة عليها أن تتعلم كيف تحب ذاتها في المقام الأول. والأم المضحية عليها أن تعلم أن ابنتها تريد أمًا سعيدة لا أمًا مضحية. الزوجة الرحيمة عليها أن تفقه جيدًا أن زوجها يريد زوجة تُقدّر ذاتها مثلما تقدّره. والفتاة الخدومة المُحبة للجميع يجب إعلامها أن المجتمع لا يقدّر المُحب بلا حدود.
#فاطمة_شجيع
٦ سبتمبر ٢٠٢٥
التعليقات