الصمت الفظيع

قبل البدء في الكتابة، قد تصيبك حالة من الإحباط بسبب فراغ عقلك من الأفكار بشكل شبه كامل، وكأن عاصفة الأصوات في قاعة دماغك الصاخبة صمتت فجأة عندما لاحظت أنك تحاول تدوين ما تقول، يدوي صوت صراصير الحقل في عقلك بشكل مزعج، وهنا تنهار عزيمة أي كاتب أمام هيبة الورقة البيضاء، التي تبدو في هذه اللحظة بالذات كصحراء كثبانها من الملح لا الرمل، حتى لو وجدت فيها نبع ماء، سيكون الشرب منه عملية انتحار.

حيلة الدماغ

إلا أن هذه الحالة ما هي إلا حيلة دفاعية من الدماغ، الذي كعادته يحاول أن يجعلك تسترخي لا أكثر، خاصة في خضم حالة الضغط العصبي العامة التي نعاني منها كل يوم، فيصور لك أبسط المهام، كشرب كوب من الماء، في صورة حمل خزان ماء كامل ونقله مسافات عبر الصحاري من أجل الشرب، فتفضل تلقائياً توفير جهدك، وتؤثر الراحة على المجهود.

دفعة بلا مبرر

إلا أن مجرد مقاومة بسيطة منك بالاندفاع إلى النشاط وبشكل مباغت، يمكن أن يهدم كل تلك الدفاعات التي تحاول أن تكبّلك بأصفاد الكسل، التي يحاول العقل أن يخبرك بأنها من الفولاذ، وهي في الحقيقة من الورق، إلا أن القيد النفسي أقوى من أي قيد مادي عرفه الإنسان، لأنه يشل إرادة الإنسان لا أطرافه.

كل المطلوب منك هو ألا تنصت لعقلك في تلك اللحظة، واجبر جسدك على الحركة إلى مكان النشاط بدون تقديم تبريرات لنفسك، فأنت لا تحتاج إلى تبرير المهام التي يجب عليك القيام بها، هذا بحد ذاته هو الفخ الذي يستدرجك إليه عقلك لكي يقنعك بالعجز، فطالما كنت مضطراً لتبرير شيء ما لنفسك، إذاً هو غير ضروري، وبالتالي يمكن التنازل عنه، والعقل مصمم ليختصر الوقت والجهد والتكلفة، فإن تمكن من إلغاء الفعل نفسه فعل.

عوامل مساعدة

هذه الطريقة ليست مضمونة النتائج وتحتاج إلى تدريب، لكنها مع الوقت تكسبك قوة إرادة خاصة عند الرغبة في القيام بأي مهمة لم يطلبها أحد منك ولا يوجد موعد لتسليمها، وقد يكون وضع موعد نهائي للتسليم وإخبار الآخرين عن المهمة وموعد انتهائها مفيداً، لكن هذا ليس الأساس الذي يعتمد عليه في محاربة هواية المخ المفضلة في التوفير، فقط تذكر أن عقلك مصمم لتخزين الطاقة وصرفها بحكمة، فلا تحمل نفسك فوق طاقتها، واحرص على أن تلبي احتياجات جسدك الأساسية، بدون إصراف أو تقتير، قبل استخدامه في أداء المهام الصعبة أو الإضافية، المسألة كلها تعتمد على مدى إيمانك بما تريد إنجازه.