في يوم شديد الحرارة لا يختلف عن بقية الأيام التى نحن فيها خرجت وفي جسدي نزلة برد أحاول التغلب عليها فحياتنا كلها صراعات ونزالات عليك الانتصار دائماً فيها وإلا انت تعلم الباقي .. كنت في طريقي لزيارة بنت أخي التي لم تكمل عامها الثاني بعد وللوصول إلى المشفى عليك أن تجتاز ثلاث مواصلات اسوء من بعضهن البعض .. أولها عربة ذات صندوق صغير بمقعدين يقابل أحدهما الآخر وعليك أن تدخل في الصندوق الضيق مع الحرارة المرتفعة وفي مقعد لا يتجاوز المتر وعشرين سنتيمتر من المفروض على ستة أشخاص بالغين الجلوس ويقابلهم ستة مثلهم .. وآخرون فاقدون الأهلية افترشوا على الصندوق من الأعلى... وآخرون مضطرون للوقوف على الباب والجاحد سائق السيارة لن يتحرك إلا بعد أن يتأكد من عدم وجود مكان آخر ليحشر فيه راكب حتى ولو خرج والديه من القبر ليأمروه بذلك .. كنت أتمنى أن أقف على الباب في الهواء الطلق ممسكا بطرف الصندوق ملتصقا بآخرين واقفين ولكن ما حدث معي سابقاً يمنعني من ذلك وأتذكر ذلك القرد الصغير على جانب الطريق طفل لم يتجاوز العاشرة وضحكته المستفزة ممسكا بيدة خشبة عريضة .. عذراً لن أكمل هذا الموقف السخيف ولعلك اخي القارئ فهمت ماذا حدث .. دعك من هذا لنعد إلى ذلك البائس الذي تم حشرة في هذا الصندوق وهو يعاني الأماكن الضيقة إضافة إلى رائحة العرق المختلفة ناهيك عن المطبات والطريق المتكسر وحتماً ستعاني الماً في أكثر الأماكن احراجاً .. تمر العشرون دقيقة كأنها عشرون ساعة .. تقفز من الصندوق وتبدأ في تحريك مفاصلك الملتصقة وتبدأ في محاولة جعل الهواء يتسلل تحت ملابسك ليفصلها عن جسدك اللزج .. وفي هذه المنطقة أكثر من أربعة مواقف مختلفة وفي أماكن متفرقة.. لماذا لا يكون هناك موقف واحد لكل الاتجاهات .. وهنا عليك أن تأخذ توكتوك ليقطع مسافة اقل من اثنين كيلو متر لتصل إلى الموقف ولن يرضى سائق التكتوك بأقل من عشرة جنيهات وفي محاولة مني لترشيد المصاريف اترجل هذه المسافة لأصل إلى المواصلة الثانية.. ميكروباص يبدوا أكثر آدمية من الصندوق السابق يكتمل العدد بسرعة يبدأ السائق في إلقاء الشتائم على كل السائقين حوله لفتح طريق له ويقابله برود متعمد منهم وهذا ما يفعلوه كلهم ويبدا في التحرك أحاول دائما تجنب جمع الأجرة فأنا اكره الحساب من صغري سامحك الله يا استاذ علي فأنا اكرهك من كل قلبي أنه مدرس الحساب في مرحلتي الابتدائية .. انتظر حتى يتم اصطياد متطوع من أصول عريقة ذات فكر عالي وتبدوا عليه علامات الذكاء والنباهه ويبدأ الجميع في إلقاء الأجرة عليه كأنها راقصة يسارع السكارى لإلقاء المال عليها وهذا واحد من خمسين وثاني اثنان من عشرين وثالث ينادي أربعة من مائة وبعد انتهاء هذا المزاد العقيم يتم تسليم الأجرة للسائق ويبدأ الجميع في الاسترخاء ويأتي صوت كانذار حريق أن الأجرة ينقصها راكب ونبدا في النظر إلى بعضنا البعض أي نصاب محتال منكم لم يدفع الأجرة ويزداد التوتر ويبدأ كل راكب بتبرئة نفسة وأقسم اني دفعت وهذا يحلف باليمين أنه أول من دفع ويبدأ الجميع في أداء اليمين .. وفي الأخير يأتي ذلك الصوت البارد من تحت المقاعد هذا الذي ينام دائما في المواصلات انا لم ادفع وتكتمل الأجرة الناقصة ويبدأ الجميع في الرجوع إلى حالة الهدوء فإن الطريق تزيد مدته عن نصف ساعة ... وعند مدخل المحافظة نجد ذلك الكمين الملعون يقف غالق الطريق صانعاً ممر يسمح بمرور سيارة واحدة فقط ولا يعترض السيارات الملاكي لربما اصطدم بمن هو أعلى منه سلطة وأعطاه درساً لا ينساه أبداً يا ليتني من راكبي السيارات الملاكي .. وبما أن اصحاب السلطة لا يركبون السيارات الأجرة مع عامة الشعب فكانت هي فقط من يتم اعتراضها .. ويقف العساكر على جانب الطريق بينما الضابط الصغير حامي الحمى هو من يوقف السيارات ويتفحصها بذات نفسه ويرتدي نظارة سوداء هكذا هم كل الضباط يفعلون ويضع المسدس في جنبه مع الحرص في إظهاره للجميع للتعريف بنفسه وكنوع من التخويف ويفتح ذراعية ويشد كتفيه وظهره معاً لإخفاء قصره الظاهر للجميع كما انه لا يتكلم يبدوا أنه شاهد هذا الأمر في فيلم ما ليضفي على نفسه هيبة ووقار زائف ويبدأ في الالتفاف حول السيارة ويشير بإصبعه لاثنين أو ثلاثة للنزول من السيارة ويشير للسائق أن أذهب انت واترك المتهمين المشتبه فيهم نتعامل معهم.. لم أكن أتوقع أن يشير إلي فأنا رجل صاحب ملامح بائسة وحزينة في نفس الوقت لهذا أحاول الضحك على أتفه النكات والافيهات وابتسم في وجه الجميع لإخفاء هذا الحزن وكلما ارخيت عضلات وجهي ظن الجميع اني حزين .. نزلت من السيارة وفي قدمي ثقل من نزلة البرد.. في لحظة أصبحت متهم مشتبه به .. يبدوا أن ملامحي لم تعجب حامي الحمى .. وكم كنت اتمنى ان اكون وسيما بشوش الوجه لكن هذا ليس بيدي .. وأي قانون هذا او سلطه يُعطى الحق في إهانة الناس بهذا الشكل .. يأتى أحد العساكر ليأخذ البطاقة ويسلمها لهذا الفسل حامي الحمي ويدعوك للانضمام لبقية المتهمين أصحاب الوجوه البائسة والحزينة وعليك أن تقف خلف القضبان الغير موجودة وانتظار الحكم ... أي الطريقين سوف تسلك طريق المشفى ام طريق السجن وأي سيارة سوف تركبها سيارة الشرطة ام خط رقم أحد عشر وان كنت واثق من نزاهتك وتتذكر وصية أبيك لك دوما أن تسير بجانب الحائط وإياك السير في منتصف الطريق فيكفيك أن يتشابه اسمك مع آخر هارب من حكم قضائي حينها ستكون انت الهارب الذي تم القبض عليه لتحقيق العدالة وإلى أن يتم الكشف عن حقيقتك ستكون فقدت الكثير من كرامتك ولن يعتذر لك أحدهم أو أن يربت على كتفك ولكنه سيقول تشابه اسماء.. ولكن الحمد لله لا يتشابه أسمى مع أحدهم إلى هذا الوقت.. وصدر الحكم بالبراءة لتأخذ بطاقتك الشخصية ولتختفي من أمام الكمين عليك أن تسير ما يزيد عن كيلو لتلحق بموقف عربات أحد عشر ها أنا اترجل مرة أخرى... ولهذه العربات سائقين يتعاملون مع الركاب كأنهم بضاعة وعليه أن يسرع لتسليمها إلى صاحبها فتجده يتحدث في الهاتف ويدخن سيجارة ذات رائحة عفنة ويستمع إلى مغني اسمه عزيز مرقة ويعطي غيارات ناقل السرعات ولا يبالي بكل من حوله لا يرى إلا نفسه يسير وحيدا في الطريق وعلى الجميع التمسك جيداً وكلما حدثتني نفسي لمحاولة تنبيهه واستحضرت الكلمات وانظر إليه رأيت بعض الخطوط والنقوش على وجهه وشفتاه شديدة السواد ولا أرى له اسنان وداخل فمه ظلام حالك حينها تراجعت وأمسكت جيداً فأنا في غنى عن جدال عقيم ربما نتج عنه عراك انا الوحيد الخاسر فيه وياتي مكان النزول واطلب منه بلغة الشوارع معاك على جنب يا برنس وبرغم الألم الذي عانيت وكمية العرق التي خرجت والوضع المهين الذي كنت فيه فإنني أحمد الله على سلامة الوصول دائماً حتى أطمأن على هذه الصغيرة التى تعاني اوجاعاً لا يعلمها إلا الله داعياً لها الشفاء العاجل ولكل مرضى المسلمين ولا انسى دعوتي التي لا اتوقف عنها في الوقت الحالي اللهم أخرجني من هذه البلدة على خير عاجل غير آجل اللهم آمين.