أشارك معك في هذه التدوينة وجهة نظري حول بعض مفاهيم الكتابة، وقائمة أشهر عشرة كتب رفضت ذات يوم، ووصفت بالسخف والهراء.
مهما كان اسلوبك في الكتابة بسيطا ومتواضعا فلا تقلل من شأنه، لأنك تستطيع تحسينه وتجويده.
قرأتُ رأيًا لأحد الكُتاب وكان يقول فيما معناه: الكتابة هبة من الله، فإما أن تولد كاتبًا أو لا، لن أذكر اسمه لأنّ هذا الرأي مُحبط للكثيرين وحاليًا لا أتفقُ معه، بالرغم من أنّ الكتابة ذوقٌ وإمتاع وموهبة… أي هي تشكيلة من عدة مهارات وحين تُطبخ معًا على نار هادئة تعطينا وجبةً مُغذّية وتُمتّعنا وتفيدنا وتسحر لُبّنا وتذهبُ بالفؤاد. إلا أنّها تحتاج إلى تعهّدٌ مستمر وممارسة جادة.
لكنّ الوصول إلى هذه النتيجة يحتاج إلى صبر على القراءة والكتابة والتنقيح والتعديل والمراجعة، فإذا كانت الكتابة هبة وعطيّة من الله فإنّ الحفاظ عليها يحتاج إلى العناية بها وتحسينها مادام صاحبها حيًا، رأيتُ الكثير ممن يملكون هذه الهبة لكنّهم لا يرغبون ولا يطمعون في أن يكونوا كُتّابًا أو مؤلّفين، ولديهم أحلامٌ وطموحات أخرى فتضيع تلك الهبة لأنها لم تُصقل.
أشعر أنني ألفّ وأدور كثيرًا في موضوع الكتابة، ولكنني إلى الآن لم أستطع قول ما أريد قوله بالضبط، أو ربما ليس لدي الوعي واللغة وحتى النضج والتجربة الكافية للتّعبير عن الفكرة التي تسيطر على عقلي، لأنّ الكتابة بحر لا حدود له ومن يعتقد أنّه سيبحر فيه بسلاسة ويفتي في اتجاهاته وتقلباته بسهولة وإلمام فهو واهم.
ولعلّ من أبرز التجارب التي تثبتُ ذلك هي تلك الكتب التي حكم النُقاد أو دور النشر على مُؤلّفيها بالفشل لكنها في النهاية حققت نجاحًا ساحقًا أخرس هؤلاء، وحطّم أصنام أفكارهم البالية والعتيقة، وضرب بذوقهم الذي لم يستسغها عرض الحائط فانقلبوا خائبين، وأغلبهم بارعين فقط في تحطيم المُؤلفين وحتى الجيّدين منهم لأنهم لا يملكون إلا دراهم معدودة لا تغطّي نفقات النّشر.
أشهر 10 كُتب ناجية من الفشل
خطر لي أن أقول ناجيةٌ من الفشل لأن هناك عددٌ من الكُتاب الذي ماتوا في ذلك الوادي، أقصدُ وادي الرفض لأنهم في الحقيقة لم يكونوا كُتابًا حقيقيين، وأنت صديقي إن سبق لك وحاولت نشر أفكارك وقوبلت بالرفض أو النقد اللاذع والجلد وتزعزعت ثقتك بحروفك وأفكارك، فذلك لأنك لم تكن كاتبًا من الأساس، بل أن تتعدّى على صنعة ليست لك، فاذهب لتوزيع الجرائد… أو الطهي.
دعني أخبركَ بسر بسيط، إن كنت ترغب بإتقان صنعة ما ولاسيما إن كانت إبداعية وتتطلب منك كسر الصناديق، وتعدّي الخطوط المجتمعية وتمزيق الهالات الوهمية التي تلفّ كل ميدان إبداعي، يشترط النجاح فيه تجاوز القوالب الجاهزة، فعليك بتقوية قلبك، واكتساب حصانة ضدّ النقد الهدّام والعمدي لأنك ستجد من يسخر نفسه تسخيرًا فقط لرفض فكرتك.
وإن كنت ترغب في إعادة نسخة السابقين، وتجلس في المعارض وتكرر نفس التوقيع ونفس الاقتباس لطابور من البشر، ثم يستدعونك في المحافل ويشكرونك ويُلبسونك الأوسمة، ليس لإبداعك الخرافي بل لأنك لم تخرج عن الصفّ ولم تكتب عن ما يستفزهم وما هم بحاجة لقرائته، بل أنت تكتب فقط ما يُخدّر أوجاهم وأسمعتهم فقط ما يريدونه وليس ما يحتاجونه. فلنذهب للأمثلة على بركة البديع:
رواية لوليتا للمؤلف الروسي نابوكوف 1955
ناقشت هذه الرواية قضيةً مسكوتٌ عنها في ذلك الوقت، وهذا ما جعل دور النّشر ترفضها في البداية وإحدى الرسائل التي رفضتها قالت بالحرف الواحد: “إنها رواية مقرفة بامتياز حتى لقارئ فرويدي مستنير، وبالنسبة للجمهور ستكون مثيرة للاشمئزا، ولن تبيع. نقترحأن يتم دفنها تحت الأرض لألف سنة، نرجو أن تكون فُهمت الرسالة”، نُشرت الرواية وهي تتحدث عن نفسها ونجاحها رغم الرفض.
رواية آن من قرين غابل للمؤلفة الكندية لوسي مود مونتغمري 1908
تتحدث الرواية عن طفلة يتيمة تعيش في غابة غرين غابل وتلقت هذه الرواية أيضًا أربع رسائل من الرفض لكنها في النهاية حققت نجاحًا باهرًا وحُوّلت إلى فلم سنمائي ووضعت في المقررات الدراسية الكندية.
رواية رجل الزنجبيل للروائي الأمريكي الإيرلندي جايمس باتريك دون ليفي 1955
اعتبرت هذه الرواية بذيئةً وفاحشة ورفضتها أكثر من 350 دار نشر، وفي النهاية نشرتها دار اولمبيا برس في فرنسا ضمن سلسلة من الكتب الإباحية ولهذا أنهى دون ليفي اتفاقه معهم، وبعد عام أصدر نسخة منقّحة من الرواية مع ناشر آخر ولهذا السبب رفعت دار أولمبيا برس دعوة قضائية ضدّه واستمرت المعركة الناجمة عن ذلك حتى 1979 وتمكّن دون ليفي من شراء الدار بأكملها بعد إعلان إفلاسها.
كتاب جوناثان ليفينغستون سيغل للمؤلف الأمريكي ريتشارد باخ 1969
يصنف الكتاب ضمن التنمية الذاتية واليقظة الروحية ورفضته 18 دار نشر وذلك لسخافته حسب رأيهم، ثم اشترته دار ماكميلان ودفعت 2000 دولار مبلغًا مُقدّما للمؤلف ونجح نجاحًا باهرًا.
رواية “يوميات فتاة شابة” للمؤلفة الهولندية الألمانية اليهودية آن فرانك
رُفضت الرواية لأنها تتناول قصة محرقة الهولوكوست لكنها لم تعجب الناشرين وفي النهاية نُشرت وحُولت إلى فلم سنمائي شهير حصد ثلاث جوائز أوسكار.
رواية “وادي الدمى” للمؤلفة الأمريكية جاكلين سوزان 1966
تناولت الرواية مواضيع تعتبر تابوهات مثل: [الجنس، والمخدرات وتعاطي الكحول…] ورفضتها دور النشر في البداية، وقد كتب محرر راجع الرواية: “إنّها مؤلفة مملة وخرقاء وغير منظبطة وهي هاوية وليست محترفة، لأنّ كل جملة وفقرة تبكي للعثور على مؤلفة محترفة تعيد كتابتها بمهنية”. بيع منها في النهاية أكثر من 30 مليون نسخة وأنتجت في فلم سنيمائي ناجح.
رواية “هاري بوتر وحجر الفيلسوف” للمؤلفة البريطانية جيه كي رولينغ 1997
قصة المؤلفة البريطانية رولينغ مشهورة ويعرفها أغلبية أوساط الكُتاب والمؤلفين، لكن الفضل يعود للطفلة نيوتن أليس ذات الثمان سنوات التي أقنعت والدها رئيس دار بلومزبري بنشر القصة، وبعد ذلك اشتهرت القصة وحُولت إلى سلسلة لازالت مستمرة إلى اليوم.
كتاب “شوربة الدجاج للروح” للمؤلفين الأمريكيين جاك كانفيلد ومارك
تشتهر هذه الكتب اليوم، لكنها بالامس رُفضت أكثر من 90 مرة ووصف عنوانها بأنه غبي، لكن المؤلفين استمرّا في الكفاح لأجل نشرها ووصولها للعالم.
رواية “الشفق” (توايلايت) للمؤلفة الأمريكية ستيفني ماير
تعدّ هذه الرواية من أشهر الكتب شعبية في هذه الألفية حيث باعت أكثر من 116 مليون نسخة خلال خمس سنوات، وقد رُفضت من طرف 14 دار نشر لانّ المؤلفة غير معروفة.
رواية “مزرعة الحيوان” للمؤلف الانجليزي إيريك آرثر بلير (جورج أورويل) 1945
رُفضت هذه الرواية أربع مرات، بسبب أنها تنتقد النظام الشمولي الشيوعي، ثم أصبحت علامةً فارقة في تاريخ الأدب في القرن العشرين، ويعدّ أورويل الشاعر الأشهر ورائد الحداثة في القرن العشرين والحائز على جائزة نوبل للأدب.
ستقول لي أنّ أغلب هذه الكتب والروايات نجحت بسبب قوة دور النشر في التسويق أو أيّ أسباب أخرى عدا جودة المحتوى الذي تقدمه كما يحدث اليوم، وأنت محقٌ في ذلك لأن الكتب الأكثر مبيعًا لا تعني الأفضل والأجود وربما قد تكون سخيفة جدًا على فكرة، وأنا شخصيًا لم أقرأ هذه الكتب لأحكم وأقدم رأيي، عدا مزرعة الحيوان.
لكن ذكرتها لك لسبب آخر وهو صمود هؤلاء ومحاولاتهم المستميتة لنشر أفكارهم مهما حَكم عيها الآخرون بالهراء والسخافة، وأصرّوا على أفكارهم رغم أنها حُظرت في بعض الدول حتى بعد صدورها في دول أخرى، وما أحاول قوله هو: أنّ الكاتب الحقيقي لديه فكرة يؤمن بها ويسعى لإيصالها حتى وإن أغلق في وجهه ألف باب، واليوم فتحت الانترنت لك ذلك الباب السحري حتى وإن أوصد البقية أبوابهم في وجه فكرتك.
ذكرت في هذا المقال 10 أمثلة غربية وهي مأخوذة من كتاب كيف تكون كاتبًا بارعا للمؤلف عبد الله ناصر الداوود، وهو مقال من ترجمة حمد العيسى في الصفحة 123، وهناك أيضًا نماذج لكُتاب عرب مؤمنين بأفكارهم، لم يُرفضوا فقط بل تعرّضوا للاغتيال مثل الكاتب غسّان كنفاني.
التعليقات