وأنا أحتسي كأسا من الشاي في هذا الصباح الباكر، بدأت تتهاطل في ذهني عدد من الاحتمالات التي جعلتني أتساءل وأخلق منها قصة لإحتمالية وجودها، من بين هذه التساؤلات "ماذا لو أصبح كل القُراء كُتابا؟ حينئذ من سينشغل بالمطالعة؟" وقد تأتي بعض من الإجابات لتقول بأن ما فكرت فيه لا يستدعي للمبالغة وتضخيم الأمر لأنه من المستحيل وقوعه، لكن دعونا نفكر بمرونة وباحتمالية الحدوث وليس بحتمية الوقوع الحقيقي.
وقد يأتي جوابا أخر، يجيب بكل بساطة " القراء الذين تحولوا لكُتاب هم من سيقرأون لبعضهم وكفى"، ما قيل وارد الحدوث، لأن أي كاتب قبل أن يصبح كذلك كان قارئا شغوفا، وربما القراءة تمثل أحد الأسباب الذي دفعته للولوج لعالم الكتابة.
لكن، لم تتساءلوا ما الشئ الذي رأيته حتى تبادر الى ذهني مثل هذه لإحتمالات، في الوقت الحالي لا أعلم ما إن كانت منهجية الكتابة قد تغيرت أم دور النشر التي تعدُ سببًا في فتح المجال لمن هب ودب أن ينشر كتابًا يحمل إسمه بغض النظر عن مستوى المضمون الذي يحوزه،
ربما كلنا كُكتاب مستقلين خلال تصفحنا الدائم لعدد من المواقع العمل الحر لاحظنا الطلبات التي تأتي من أجل توظيف كًتاب لتحرير مواضيع من مختلف المجالات وهذا الأمر عادي، لكن ما يلفت إنتباه أكثر من يطلب كُتابا مبدعين لتأليف رواية يسرد في اجزائها ما يطلب منه، تساءلت بما أنها خدمة فالأكيد ستنسب اسم الرواية للعميل، ولا بصمة ستشير الى إبداع وجهد صاحبها، هل هذا الأمر عاديًا أن ينسب الإسم والشهرة لمن يشتري الخدمة وليس لمؤلفها الذي ضحى بوقته وجهد؟...لنفترض لو جاءتكم مثل هذه الطلبات و خيرتم بين المال أو الشهرة ...بمعنى قبول تنفيذ الخدمة بكسب المال في الوقت الحالي أم إنتظار لأعوام لتصبح مشهورا بتأليف كتاب خاص بك؟ ماذا ستختارون يا ترى؟
نعتبر الكتابة في مواضيع ضمن مجالات مختلفة في إطار العمل الحر وفق أفكار ورؤى التي تطرح بموضوعية ولا تتنافى مع مبادئ صاحبها أمر جائز، لأن ماسينشر يعكس مرجعية العميل وحده.عكس أن تحرر نوع أدبي بحجم رواية التي نلامس فيها المشاعر والنفسية التي يحملها الكاتب، فعاطفته ستظهر لا محالة ومهما حاول أن يعتبرها في إطار العمل لن يستطيع، فالراوية تصنف ضمن أحد الفنون الأدبية المميزة وتختلف كليا عن الفنون الأدبية الأخرى...لذا، كيف سيلامس القارئ عنصر التشويق إذا لم يكن الكاتب محفزا في سرد الأحداث...كيف سيستطيع أن يقنع القارئ بالأحزان والألم التي مرت على الشخصيات إذا لم يكن الكاتب يتقمص تلك الأدوار وكلماته المعبرة عن نفسيته في تلك اللحظة،...وإن كان هناك في هذا الفضاء من مر بهذه الممارسة العملية...كيف نجحوا في ذلك يا ترى؟
الكاتب الحقيقي، مهما كانت أفكاره المشتتة تتهاطل عليه في كل لحظة، إلا أن كلماته التي يكتبها يدرسها ويتمعن فيها عشرات من المرات قبل أن يراها غيره، الكاتب الحقيقي هو من يتوقف عند كل لفظة ويتذكر تفاصيلها، كيف ومن أين راودته، فهل بإمكانه أن يبيع أفكاره لرواية تحمل إسم غيره؟، لن يستطيع وإن كلفه ذلك أن يقتات الخبز والماء. لكن أشباه الكُتاب وهم كثر في هذا العالم، لا تهمهم الفكرة بقدر ما يشغلهم الجيب المملوء، فالكتابة عندهم كأي صنعة جائز أن يتداولها الجميع بدون استثناء.
الأمر الأخر الذي استوقفني لأفكر في احتمالية أن يصبح هذا العالم المليء بالكُتاب، ما أشاهده يوميًا في وسائط التواصل الاجتماعي التي أعطت فضاءً للنشر وسط انعدام المصدر ولا وجود لمنهجية صحيحة للكتابة، الكل ينشر بالطريقة التي يقتنع فيها بأن عدد المنشورات التي كتبها كفيلة بأن تجعله يحمل "اسم كاتب"، بالرغم من أنني أشجع النشر في هذا الفضاء شريطة أن يكون بوعي وأكثر مصداقية، فالسطحية المنتشرة والآراء المتسلطة تدفع بتشبث كل شخص برأيه ليستمر في النشر بدون الإلتفات أو التركيز على دلالة المعنى فيما كُتب خصوصا في المواضيع التي تتطلب الاطلاع الدقيق من أصحاب المجال والمصادر الموثوقة لذلك الإستعانة للقراءة في هذا الصدد أمر ضروري، أما بالنسبة للقارئ الذي انغمس في العالم الرمزي سيستبدل مطالعاته الجدية بالاكتفاء بما ينشر من معلومة في الصفحات الافتراضية، وما يحدث سيخلف لنا أمرين هما "انقطاع القارئ عن المطالعة، وتحول أشباه الكتاب الى كًتاب".
في الأخير، بعد أخر رشفة أحتسيها من كأس الشاي، ولو أقنعت نفسي واقنعتكم ولو بجزء مما قيل من احتماليات، اطمأنوا بأنه لن يصبح العالم خاليا من القًراء، ولو افترضنا "انقطاع القارئ عن المطالعة، وتحول أشباه الكتاب الى كتاب"، سيبقى عنصر في هذا العالم يقرأون " هم الشيوخ "الطبقة المثقفة منهم، متقاعدين" والأطفال"، لكن تأتي احتمالية أخرى "هل هؤلاء الشيوخ سيقرؤون للكتاب الجدد، وهل الأطفال محفزين بشكل صحيح للمطالعة؟" لنفكر في ذلك..
برأيكم يا أصدقائنا الكًتاب، هل بإمكان أن يصبح العالم خاليا من القراء؟ هل هذه الاحتماليات التي تبادرت في الذهن عادية؟ شاركونا أفكاركم؟ وهل هناك احتماليات أخرى تبادرت الى أذهانكم في هذا الصدد؟
التعليقات