أثناء تصفحي أحد مواقع التواصل الاجتماعي، وجدت إعلانًا عن إحدى الدورات التدريبية لتعليم القراءة السريعة! وكُتب المنشور بطريقة دعائية مثيرة للعجب بالنسبة لي: "اقرأ كتابًا في ساعة أو ٤٥ دقيقة!" في الحقيقة، قد سمعت بأسلوب القراءة السريعة من قبل، ولكني لم أتوقع لحظة أن الأمر وصل إلى إقامة دورات تدريبية لهذا الغرض.

​القراءة تجربة متكاملة، أهم ما يميزها التفاعل بين القارئ والنص، وبالتالي التواصل مع الكاتب من خلال كلماته. إنها تجربة تتطلب إتقانًا ووعيًا وهدوءًا حتى تُكتسب المعرفة كما ينبغي لها، وحتى الروايات والقصص تحمل في طياتها قضايا اجتماعية وفكرية تتطلب تركيزًا لاستنباطها. القراءة الصحيحة هي القراءة الواعية الناقدة، التي تخرج بالنص من قالب محدود إلى رحابة الفهم والإسقاط على الواقع. ولا أرى أن القراءة السريعة تمنح أصحابها هذه التجربة المتكاملة، ولابد أن لها قصورًا في جوانب عدة تُخل بالإنتاج المعرفي.

​يقول فهد الحمود في كتابه "قراءة القراءة": "إن القراءة إذا كانت خلوًا من التأمل والنقد والتحليل، خالية من تذوق المعاني والتأمل فيها؛ فالفائدة المتوخاة منها فارغة، والثمرة التي يجنيها القارئ منها يسيرة جدًا". لذلك، فإني أرى أن القراءة السريعة هي إدراج القراءة في نهج مادي يُعنى بالإنتاجية على حساب المعنى، وهو أمر خطير لا يصح أن يكون مع العادة التي نقاوم بها طبيعة الزمان المُهْلِكَة.