في رواية الأخوة كارامازوف للأديب الروسي دوستويفسكي، جاء على لسان وكيل النيابة: "إننا إزاء طبائع عريضة، أناس قادرون على أن تضم نفوسهم جميع تناقضات الحياة". بهذه الكلمات البسيطة وشديدة العمق في آن واحد، اختصر دوستويفسكي ملحمته الأدبية التي عكست عبقريته في سرد الصراعات النفسية لكل شخصية من شخصيات روايته.

​خلال الحوارات الفلسفية العميقة بين الأبطال أو حتى حواراتهم الداخلية، تتجلى براعة الأديب في رسم لوحة متكاملة عن النفس البشرية وتناقضاتها. فدوستويفسكي يتخذ من الفرد منطلقًا لتصوير المجتمع ككل. فالفرد في الرواية هو المؤثر الأول والبطل الحقيقي، على عكس الكثير من الأعمال الأدبية -العربية تحديدًا- التي تنطلق من الصورة العامة للمجتمع وتسقطها على الأفراد، فيصبح الفرد في الرواية -وإن لم يبدُ كذلك- شخصية ثانوية أمام المجتمع -البطل الفعلي-. أرى أن الفرد وإن كان يؤثر ويتأثر، سيظل هو المؤثر الأول الذي تنعكس صفاته وسلوكه على الحالة العامة. لقد أدى الخطاب الجمعي إلى التواكلية، لأن الشخص لم يعد يشعر بقوة تأثيره وقدرته على التغيير.

​ليست الإجادة دائمًا في المعالجة، بل أحيانًا يكمن الإبداع في التدبر العميق والسرد المحكم لجذر القضية، والقضية هي الإنسان.