أثناء رحلة الطيران، كنت أتصفح كتابًا طريفًا يروي فصولًا من حياة أمير الشعراء "أحمد شوقي بك"، شعرت بأنني انتقلت إلى عالم مختلف. كتبه أحمد أفندي،  الذي كان السكرتير الشخصي لشوقي لمدة اثني عشر عامًا، حمل بين طياته تفاصيل مذهلة عن علاقة الأديب بشعره، وعن المواقف التي تكشف عن جوانب عديدة من شخصيته الفذة. تضمن الكتاب مشاهد تكشف كيف كان شوقي ينسج أشعاره، كما رسم ملامح لحياة كانت، في ذلك الحين، تمثل قمة الاهتمام والفخر بالمبدعين.

لكن،  كان أكثر ما لفت نظري هي المكانة الرفيعة التي كان يحظى بها الأدباء والشعراء في ذلك الزمن. كانت كلمة "أديب" تحمل في طياتها طابعًا مميزًا، وكانت كلمة "شاعر" تحمل هيبة لا يضاهيها شيء. كانت الصحف تسعى جهدًا للتعاقد مع أفضل الكتاب، لعلمهم أن هؤلاء ليسوا مجرد ناقلين للأحداث، بل هم من يمثلون صوت الأمة، وضميرها الحي.

في تلك الحقبة، كان للأدب جلاله، وكانت اللغة العربية تُقدّر وتُحتَفَى بها كما يُحتَفَى بالجواهر الثمينة.

أما اليوم، عيناي تتجولان في أروقة معرض القاهرة الدولي للكتاب، فلا أملك إلا أن أشعر بالحسرة على ما آل إليه حال الكتابة. فقد أصبح لقب "أديب" يُرفق بكل من هبَّ ودب، دون تمييز أو مراعاة لجوهر الكلمة ومغزاها.

لم يعد هناك ذلك التقدير الذي كان يسبق الأديب في كل خطوة يخطوها، وتبدلت قيمته الاجتماعية، وصار الاهتمام الإعلامي به خافتًا، بل إن تواجده أصبح عرضيًا في الزحام.

هل يرجع ذلك إلى تدهور مستوى الأدب المعروض اليوم؟ أم أن نظرة المجتمع ككل قد تغيّرت تجاه الأجيال السابقة، فتجاهلوا ما كان في يوم من الأيام مصدر فخر واعتزاز؟