خلال قرائتي لبعض المساهمات والتعليقات، رأيت اختلافا في الآراء حول" الاحتراق النفسي"حتى لو لم يتم ذكره بالاسم إلاّ أنها أعراض تصب في معناه من فقدان الشغف، الرغبة في التوقف عن السعي,في التغيير، في اعتزال كل شيء، لوم النفس الشديد، أو حتى الانتقام او الموت!

لعلّ تنوع وجهات النظر حول أسباب ونتائج هذه الظاهرة وحتى حلولها بيننا أتى من اختلاف بعض المصادر التي ذكرتها، فمثلا في كتاب "مجتمع الاحتراق النفسي" لبيونغ شول هان يعتبر الاحتراق النفسي نتاجاً لمجتمع يمجد الإنتاجية ونجاح الأفراد. ويرى أن المجتمع يجبر الأفراد أن يكونوا دائمًا في حالة من الأداء المتزايد وتحقيق الإنجازات تحت وهم الحرية والفرص. وبالتالي فهو لا يرتبط فقط بالضغوط الخارجية للفرد، بل يتمثل في الجهد الداخلي للفرد بحد ذاته لتحقيق الكمال بسبب متطلبات المجتمع، وهو ما يؤدي في النهاية إلى الإعياء العقلي والنفسي. وهنا يحضُرني مثال واقعي لبعض صناع المحتوى الذين وقعوا فريسة لهذه الظاهرة للأسباب التي ذكرها هذا الكتاب، ولعلّ بعضكم قابل مقطعا لأحدهم وهو يصف ذلك الضغط مما يجبرهم على الاعتزال ويؤثر حتى على حياتهم الشخصية!

من جهة أخرى، في كتاب "الاحتراق الذاتي والتعامل مع ضغوط الحياة" للكاتبتين إميلي وإيميليا ناغوسكي، فهما تركزان على العلاقة بين الجسم والعقل في التعامل مع الإجهاد وأن الظاهرة نتاج دورة مستمرة من الإجهاد مما يصعب على الجسم التعامل معها، أي بصفة أدق تركزان على أسباب فسيولوجية وشخصية أكثر من الضغوط المجتمعية، فتوصيان بتكامل الأنشطة الجسدية مثل التمارين واليقظة الذهنية والنوم الكافي لاستعادة التوازن بين العقل والجسم للتخفيف من شعور الإعياء. وجهة نظرهما تتعلق أكثر بفهم كيفية استعادة الاستقرار الداخلي واستعادة الطاقة من خلال الأنشطة الجسدية والذهنية وهذا أيضا وارد في الواقع فمثلا بعض أصدقائي في عام البكالوريا ونتيجة لبدئهم المبكر في التحضير في العطلة الصيفية والضغط على أنفسهم بساعات طوال من البداية، ماوصلوا نصف العام إلا وقد اِنطفؤوا وتوقفوا كليا بسبب الارهاق النفسي والجسدي..

هنا يظهر الاختلاف بين الكتابين في تفسير ومعالجة الظاهرة، فوفقا لتجاربكم ومعلوماتكم، أي كتاب تؤيدون، التشخيص المجتمعي الذي يتطلب مستويات عالية من الأداء أم التشخيص الفسيولوجي الذاتي للإجهاد؟