رواية إيكادولي: كيف نتقبل الأخطاء التي نرتكبها ولا نخشى أحكام الآخرين؟

نجاهد دائماً لنمحي معالم الشخصية الحقيقية حتى لا ينتقدها العامة.

ولماذا أُمحي ما أنا عليه مِن أجل آراء بعض الأشخاص الذي لديهم أيضًا الكثير من الأشياء التي لا يستطيع أحدٌ تحملها؟

طالما أني لا أفعل شيءٌ خاطيء ولا مخالفًا لعقيدتي الدينية إذن مهما كان رأي الآخرين لا يعنيني،مهما حاول الإنسان فعل أشياء مرضية للناس سيجد انتقادات.

قال بابا مرة حين ناقشت معه هذا الأمر بموقف صار ضمن العائلة عندي وأخطأت فيه: أنت إنسان عادي بيغلط - هذا الكلام جعلني أشعر بأن تقبّل إنسانيتنا هو الحل لهذه الأمور، فالجميع يرتكبون الأخطاء.

إدراكي أن الأخطاء جزء طبيعي من النمو ساعد في تحويل منظوري من انتقاد الذات إلى التعاطف مع الذات وهذه نقلة والله ليست سهلة بالمرة كما تبدو ولكنها مهمة، فبدلاً من التركيز على الخطأ، صرت أركز على ما يمكن تعلمه من الخطأ، أي اعترف بالخطأ وأتحمل المسؤولية فيه وهذا صار أمر يمتعني، كأني حولت حياتي للعبة بلايستيشن، إذا خسرت أو ربحت أنا مستمتع.

أنا أرى أن من يبذل أي جهد ليظهر بصورة مصطنعة أمام العامة في العلن فهو مزيف وخائف، أنظر حولك الجميع يرتكب الأخطاء، أخطاء العمل والسلوك والقول والفعل والفهم والإدراك والتأثير، الجميع لديه في كل يوم أخطاء عديدة، ولكن الفاصل هنا يكمن في آلية تقبل الأمر، أن تدرك أن الخطأ وارد وأن لا تسمح لأحد بأن يلقي التهم والأحكام عليك مهما كان سوء ما فعلته، هذا لا يعني أن نستمر في ارتكاب الأخطاء، ولكن عندما تحدث يجب أن نتقبلها.

تعودنا أن نظهر تحت الأضواء بصورة أفضل بقدر الإمكان، رغم أننا لا نفعل ذلك بالظلام عندما نكون بمفردنا، نجاهد دائماً لنمحي معالم الشخصية الحقيقية حتى لا ينتقدها العامة.

حقيقة هذه الازدواجية، التي تسيطر على الكثير منا، مردها إلى التربية والتنشئة الخاطئتين، اللتان تعتمدان على التخويف والترهيب والعقاب، بدل التفهم والشرح والإفهام والمسامحة، هذا ما يدفع الطفل إلى التستر على أخطائه، ولا يظهر إلا الجانب الذي يرضى عنه الغير، ومع الوقت تطغى هذه السلوكيات على الفرد وتتمكن منه، فتصبح جزءا من شخصيته المنقسمة، قسم يعيش به لنفسه في الخفاء وقسم يحيا به في العلن.

هذا الزيف يشكل ضغطا كبيرا على الإنسان، يضعف قواه ويتعب نفسيته، ويضيع عليه الكثير من راحة البال، وطمأنينة النفس، وتفتح العقل.

البداية تكون بقبول أن الكمال غير موجود، وأن الجميع يرتكبون أخطاء. هذه الأخطاء جزء من التعلم والنمو الشخصي. عندما نتقبل أخطاءنا كجزء من هويتنا، نصبح أقل خوفًا من ارتكابها علنًا. ثم نفهم ونواجه الخوف نعرف ما الذي يخيفنا بالضبط من الأخطاء في العلن. هل هو خوف من الحكم أم الرفض؟ الفهم العميق لذلك يمكن أن يساعدنا في تطوير طرق لمواجهتها.

بإدراك أنها حقيقة كونية مثل أن الشمس تخرج من الشرق، وأننا نحتاج الأكسجين: كل ابن آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون. على قدر بساطة، ووضوح هذه الحقيقية إلا أن الناس تحاول إثبات عكسها؛ فتظهر نفسها أنها لا تخطئ، وتظهر الآخرين أنهم هم من يخطئون. والحقيقة أن الحياة ستكون أسهل بكثير لو اعترفنا بقصورنا، ومضينا في الحياة بناء على ذلك. من أهم ما أقيم به شخص هو قدرته على قول أنه كان مخطئا بقرار ما أو رأي ما أو تصرف ما، وأن التصرف الفلاني كان سيكون أفضل.

من المهم أن نفهم طبيعة البشر، فأن نخطئ هذا جزء منا، وشيء حتمي سيحدث عاجلًا أم آجلًا.

بالنسبة لي فلم تكن مشكلتي هي الخوف من أحكام الناس بقدر الخوف من أذيتهم ولو على سبيل الخطأ، وكان هذا يحرمني من تكوين علاقات عميقة مع أي أحد لأنني أخشى أن أفعل ما قد يسيئ إليهم. وإن أخطأت أفترض أنني شخص سيئ في المطلق.

ولكن طريقة التفكير هذه غير عملية وغير منطقية وتنافي طبيعة البشر، بالطبع سأخطئ في حق الكثيرين، هذه ضريبة أن نكون بشرًا، فليس الحل هو أن أصنع من نفسي نسخة مثالية خائفة من الحياة، بل أن أقبل أخطائي وأن يكون عندي دائمًا الاستعداد لإصلاحها والتعلم منها وعدم تكرارها.

لذا أظن أن هذه فكرة؛ تقبل بشريتنا الناقصة، هي السبيل للتخلص كذلك من الهوس بأحكام الآخرين، فما دامت هذه هي الطريقة التي خلقت بها، وخلق بها كل البشر، ما الذي يخجلني الآن؟ كل الذين يصدرون الأحكام هم بشر أيضًا، ويخطئون أيضًا، فكيف أضعهم مقياسًا لأفعالي وأحاول أن أكون مثاليًا بالنسبة لأشخاص ناقصين بالأصل؟