يقول أمبرتو إيكو عن الكاتب "إنه لشخص غير سعيد ويائس ذلك الكاتب الذي لا يستطيع مخاطبة قارئ المستقبل. " فما الذي يمكن أن نفعله ككتاب لضمان أن ما نكتبه اليوم يمكن أن يٌقرأ ويقدم فائدة للقارئ في المستقبل!
إنه لشخص غير سعيد ويائس ذلك الكاتب الذي لا يستطيع مخاطبة قارئ المستقبل. كيف يمكن أن نطور ما نكتبه ليخاطب القراء في المستقبل؟
المعادلة بسيطة جدا، لكنها أقرب للسهل الممتنع!
وأعتقد أنها تتلخص في الإبداع والأصالة!
فلا أظن أن عظماء الفن والأدب منذ مئات السنين شغلتهم تلك الحسابات والدراسات لضمان انجذابنا المعاصر لأعمالهم العتيقة.. إنهم فقط إهتموا بإخراج أعمالهم بأفضل صورة ممكنة، ولم يدخروا جهدا في ذلك..
ولذلك مازالت إبداعاتهم تلك وأعمالهم الأصيلة تبهرنا حتى وقتنا هذا، وأظنها ستستمر بذلك مستقبلا.
إنهم فقط إهتموا بإخراج أعمالهم بأفضل صورة ممكنة، ولم يدخروا جهدا في ذلك..
من ناحية الكتاب الذين يكتبون الأدب الإنساني لو صح التعبير أوافقكِ الرأي جزئيا، لأنه هنالك جانب آخر في كتابتهم وهو توثيق لما عاشوه ليطلع عليه الأجيال القادمة من وجهة نظر اجتماعية، لهذا بذلوا المجهود الكبير في تقصي الحقائق في زمانهم ليضعوها في قالب أدبي يصلح للمستقبل. ولكن كتاب الخيال العلمي أعتقد أنهم اهتموا بالمستقبل وقارئ المستقبل أكثر، مثل أزيموف و ه.ج ويلز وحتى اليوم نتذكر قصص لهم أو لغيرهم لأنها تعبر عن ما نعيشه بشكل أو بأخر.
هنالك جانب آخر في كتابتهم وهو توثيق لما عاشوه ليطلع عليه الأجيال القادمة ..
ربما، لكن أعتقد أن معظم من قاموا بنشر مذكراتهم وسيرهم الذاتية كانوا يستخدمون نفس أسلوبهم الأدبي تقريبا؛ فالناقد مثلا كطه حسين ستجده ينتقد معظم تفاصيل ومواقف حياته عند سردها في "الأيام"، وكذلك الساخر كعباس العقاد ستجده يسخر من معظمها في "أنا"..
ولكن كتاب الخيال العلمي أعتقد أنهم اهتموا بالمستقبل وقارئ المستقبل أكثر،
حقيقة لا أميل كثيرا لذلك اللون الأدبي، ومع ذلك أشعر أيضا بضرورة إهتمام كتابه باستشراف المستقبل؛ كونه يمثل حجر الزاوية بتلك الكتابات.
في نفس السياق، منذ أيام تناقشت مع صديقة كاتبة محتوى، قالت لابد وأن نكتب محتوى ينافس الريلز، وإن قارى اليوم لا يحب الكلمات النخبوية والتشدق بالمعاني وزخرف الحرف..
فوجدتني أتساءل تُرَى هل مع الوقت سينقرض عشاق المكتبات والمواضيع الدسمة المركّزة، ويقتصر الأمر على قراء رقميين متصفحين في عجالة !!
سأكون صريحة معكِ، أنا مثلك لا أريد أبدًا أن يتحول الناس إلى العالم الرقمي السريع ويفقد المحتوى الأصيل أثره، ولكن في نفس الوقت يجب أن نقبل أن التغيير ومراقبة الواقع ومعايشته هي أمور بديهية، ستحفزنا بشكل أو بآخر على الخروج بأسلوب جديد مُبتكر يخدم هدفنا وفي نفس الوقت يتشابه مع ذوق الناس، لا أتحدث بالطبع عن إتباع الذوق العام دون تعقل، المقصود هو القدرة على توجيه الذوق العام لما نراه مُلهمًا باستخدام أسلوب يلفت انتباههم ويجعلهم يقبلون المحتوى الدسم دون أن يشعروا بصعوبة بلاغية أو زخرفة لا يفهمها إلا القلائل.
فوجدتني أتساءل تُرَى هل مع الوقت سينقرض عشاق المكتبات والمواضيع الدسمة المركّزة، ويقتصر الأمر على قراء رقميين متصفحين في عجالة !
هنالك تخوف كبير بالفعل لأن قارئ اليوم كما نراه أنه يميل إلى الملخص وملخص الملخص، ليس على مستوى القراءة فحسب بل على مستوى الدراسة والعلم والفن بالعموم، وأصبح الاقتباس بالنسبة للبعض هو تعبير كامل عن رواية أو كتاب أو حتى عن وجهة نظر الكاتب نفسه، من هنا يمكنني أن أقول أن على الكاتب لو لديه القدرة وكاقتراح هو محاولة عرض تلخيصاته بنفسه للجمهور جنبا إلى جنب او بعد طرح كتابه وأفكاره حتى لا يضع مجالا لغيره بأن يلخص عمله على هواه، لأن كل ما نكتبه هو عبارة فكرة في البداية وعن ملخص ومن ثم نكتب ما نريد سواء مقالة مطولة أو كتاب، ما رأيك بهذا الاقتراح لمواكبة قارئ اليوم والمستقبل؟
ربما قد يتناقص عدد هواة القراءة الدسمة التحليلية، لكن دائما سيبقى من هم في حاجة للمعلومة بكلّ تفاصيلها أولئك سيلجؤون دوما للكتب ..
الملخص يبقى ملخّص ولا يمكن أن يعوّض محتوى الكتاب بكلّ أبعاده. ربّما الحلّ في التجزئة ..
هناك من الكتاب اليوم من وجدوا طريقة ما لجذب القارئ الرقمي، فتجده يكتب الكتاب، الذي غرّد بمحتواه قبلا في شكل منشورات على مواقع التواصل أو حلقات مرئية و/أو مسموعة: كأحمد خيري العمري في برنامجه وكتابه لا نأسف على الإزعاج.
أدهم الشرقاوي كثير من كتبه تجميعيات لمقالاته على مواقع التواصل،
صاحب كتاب علم النفس الأسود، الذي ينشر مقاطع الريلز، نفس الأفكار جعلها في كتاب.
ما يفعلونه ليس كتابة الملخص بقدر ما هو تجزئة المحتوى على جرعات تتناسب وذائقة قارئ اليوم ..
أعتقد أن التوسع والتعمق في القراءه عن الموضوع قبل الكتابة عنه سيساعد على تقديم فائدة حقيقية للقارئ في المستقبل، فكلما كان مخزون المعلومات والمصطلحات أكبر تتوسع مدارك الكاتب، وتزداد قدرته على إيجاد الأفكار الفريدة من نوعها وصياغتها بطريقة يفهمها كل جيل.
ولكن ماذا عليه أني فعل الكاتب؟ قرأت مراجعة لكتاب ما يعتبر مرجع بنفسه لموضوع معين مهتم به، وفي مراجعة القارئ أبدى اعتراضه على أن الكاتب لم يستشهد بمصادر بشكل كافي!
ورغم أنني اطلعت على الكتاب نفسه فوجدت الكاتب يستشهد بالمصادر كلما كانت ضرورية ولكنه لم يجمع المصادر فقط في نهاية الصفحة أو الفصل أو الكتاب ككل، فربما إضافة المصادر تكون هامة بالنسبة لقارئ المستقبل الذي لن يقبل العديد من الأشياء لو لم تكن المصادر واضحة له، ألا تعتقدي أن هذا كسل من القارئ أحيانا أم من الكاتب نفسه؟
ممكن أن نقدم له تصور كامل وحقيقي عن هذه الفترة التي نعيشها الأحداث التاريخية، الحالة الاجتماعية، ابتكارات واختراعات بهرتنا، لكن المهم أن يكتب فعلا بمصداقية ولا يتعمد في أسلوبه أنه يكتبه لأجل مرحلة لم تأتي بعد، بالنسبة لي أتأثر جداً بالمذكرات الشخصية للقادة والمؤثرين أو كتابات المفكرين التتي المصبوغة بهذا اللون
لكن لماذا نريد مخاطبة قارئ المستقبل من الأصل؟ أو حتى قارئ الحاضر. بالنسبة لي أرى أن الكاتب يجب أن يعبر عن نفسه فقط وأن يحاول أن يخرج بأكبر ابداع وأصالة ممكنة وأن يكون صادقًا حقًا فيما يكتبه والباقي يأتي وحده. أما التركيز على القارئ يجعل الإنسان يفقد جزءًا من أصالته لأنه يصيغها ويطوعها لتناسب موقفًا ما أو شخصًا ما.
فمثلًا لو فكر نجيب محفوظ في أنه يريد أن يكتب للقارئ العالمي لما كتب عن الحارة ولكتب مثلًا عن أشياء يفهمها القارئ العالمي ولكنه وصل للعالمية بحارته وبأصالته وبذل ذلك القارئ من أنحاء العالم المجهود ليصل إليه ويفهمه ويحبه كما هو بالظبط وهذا جوهر الكتابة أن تدخل بداخل قلب شخص أخر وعقله وترى العالم منه بدون تطويع
كل كاتب يقول أنه يكتب لنفسه من وجهة نظري يقول هذا كنوع من التواضع لي إلا، لأنه يجد في الكتابة ملاذه وطريقته في التعبير ولكن ماذا عن تعبير صامت لا يسمع عنه أحد ! فربما يتوقف عن الكتابة وهذا ما حدث للعديد من الكتاب على مدار التاريخ.
أما نجيب محفوظ فجزء من كتاباته كانت كما نقل الإغراق في المحلية للوصول للعالمية فهو يحدثنا ويحدث قراء المستقبل عن ما لم نعيشه فلم يعيش أحدنا في عصر الفتوات ولو كان نجيب يكتبها لجيله ولعصره فقط فهم ليسوا بحاجة إليها، لأنه يعتبر توثيق لما يعرفوه بالفعل ولكنه يكتب للأجيال القادمة ألا ترين هذا؟
لأنه يعتبر توثيق لما يعرفوه بالفعل ولكنه يكتب للأجيال القادمة ألا ترين هذا؟
أعتقد أننا هنا نتدخل في نيته ولكن الكتابة واحدة. أما بالنسبة للمساهمة فهي تتحدث عن أفعال يأخذها الكاتب أو يطبقها في كتاباته لتحقيق تلك النية وإجابتي هي أنه ليس من المفترض أن تكون هناك أفعال أو كتابات معينة توضع فقط للجمهور أيا كان. ولو كانت هناك فإن جودتها تقل من ناحية الأصالة مقارنة بما يكتبه الكاتب من قلبه ومن وجوده. وهذا كاف ليعيش العمل
أرى في الأمر نوعًا من المعضلة فمن ناحية إن ركزت في الكتابة للجمهور تزيد احتمالية أن يخرج العمل ماسخًا ومتماعيًا مع الجمهور وبالتالي يموت بسرعة أما إن لم تشغل بالك بالأمر وكتبت ما في قلبك فحسب فهذا يزيد من احتمالية خلود العمل ومناسبته لكل عصر حتى لو كنت تتحدث فقط عن عصرك أو حتى عن حجرة نومك. ولا أعني هنا أن يكتب الكاتب لنفسه فلا ينشر أعماله لكن أعني أن تكون أعماله معبرة عنه وليست كوب شاي يضبط فيه السكر لكل شارب
رأي خاص
القيمة المقدمة، التركيز على المباديء الثابت، الحياد في الحكم، اسقاطات واقعية، ابراز قوة الافكار...
أما التلون بمعنى تغيير القناعات حسب المصالح، ومحاولة الخروج عن المألوف بمعارض المباديء الأساسية كالحق في الحياة، الأمن...بالإضافة للبروباغاندا والأكاذيب..... فلا بخدم ذلك
بل إن كتب منعت في الماضي والآن يتم تداولها كونها وصفت الأفكار بصدق في تلك المرحة، إذا تحدثنا عن الأسلوب فهو يبقى للإبداع
فرواية مزرعة الحيوانات وصفت ما كان يحدث في فترة الحرب بطريقة شيقة بالرغم من ذلك مازات تقرأ لليوم، وطوال القصة وأنا أريد أن أعرف ماذا حدث لسنوبول.
الصدق في الوصف والحياد في الحكم يجعل أفكارك تطبق في أي مكان وزمان.
أرى أن نقطة الحياد في الحكم ضرورية لو أن الكاتب يتحدث عن أفكار خارجية عنه، أو أحداث يريد أن يقصها بشفافية تامة، ولكن لا ننكر أن آراء الكاتب وأفكاره هي التي تميزه، ولا أتحدث هنا عن أفكار مختلفة لأجل جذب القراء أو عمل البروباجندا الكاذبة، أتحدث عن آراء مبنية على تجارب طويلة وتحليل شخصي لمواقف مشابهه لما يتناوله في كتابه، وإلا لو كل الكُتّاب تحدثوا بحيادية، سيكون السرد هنا شبه مقالي أو مرجعي فقط ليس به من روح الكاتب أو أفكاره، أرى أنه كلما وضحت افكار الكاتب فيما يتناوله، سهل على القارئ أن ينقد الأفكار ويصل منها إلى ما يعتبره منطقيًا.
كل كاتب واسلوبه، فلولا الأسلوب لما وجدت نكهة للكتب، الحياد أن لا يطبق الكاتب مقولة أنت لست معي إذن أنت ضدي،
مثال الكتابة عن الخير والشر، فقد ظهر توجه آخر يروي قصة الطرف الثاني. كما توجد قصص رويت بالعكس وربما لا تعرفين القصة الأصلية للسنافر، ومن القصص التى أعجبتنيى شريك فلقد روى السيناريو العكسي للأحداث بطريقة مقنعة، لا بمكننا تعلم كل شيء لذا نتيبادل الأفكار والخبرات
بالنسبة لي اكتشاف حقيقة نفسك ككاتب تأتي في البداية، بعدها امتلاكك لرؤية نتيجة احتكاكك بالواقع الحاضر ومعرفة جيدة جدًا بالماضي، حتى تستطيع التنبؤ بشكل ما كيف سيكون الوضع في المستقبل، وفي الحقيقة لا تتغير حالة النفس البشرية بين العصور، بمعنى أن الأحداث تختلف ساءت أو تحسنت، في الأخير ما يشعر به الإنسان لا يتغير، فمثلًا لو أنك -كافتراض- كتبت عن حياة مستقبلية بها تفوق للذكاء الاصطناعي عن البشر في بعض المناحي، وتصورت شكل الحياة بناءً على ما تعيشه الآن وما يمكن توقعه بوضع تحليلات الحاضر في الحسبان، ستجد أن روايتك بنسبة كبيرة جدًا ستواكب ما سيحدث مستقبلًا حتى ولو كانت أحداثها مختلفة تمامًا، بل ربما تكون روايتك سبب في تغير نظرة أحدهم مستقبلًا كما نفعل نحن الآن مع بعض الكُتاب، وسأعطيك مثال آخر متعلق بالأفلام، شاهد أعمال ستانلي كيوبرك، يستحيل أن تكون في السيتينات والسبعينات، أعمال كلها خالدة وتعبر عن الواقع الحالي حتى لو كانت التقنيات قديمة، في الأخير، ما تحاول أن تكتبه بكل دواخلك، سيصل للناس بنفس الأسلوب.
هذا طرح بديع...
لو نظرنا إلى خياتنا الواقعية لوجدنا أنها تنقسم إلى جانبين:
جانب يتطور باستمرار ويظهر فيه جديد كلما مر عليه يوم جديد.
وجانب هو باقٍ دوماً على طول الطريق.
وهذا الجانب الثاني ربما كان هو القيم فهي ثابتة لا تتغير بتغير الزمان، وإنما الأشخاص هم الذين يتغيرون بتخليهم عن القيم.
فلا شك أن الكاتب يجب عليه أن يتناول الموضوعات المختلفة والتي لا بد سيكون منها ما يواكب التطور ويخضع لحسابات المستقبل، ولكنه إذا ما تناول القيم - باختلاف أنواعها - فإنه يقدم للقارئ نظرة تبقى معه ما بقي، وتخلد من بعده إلى من يليه.
التعليقات