الكثيرون يعتقدون أن أدباء مثل "أجاثا كريستي" و "أرسين لوبين" وغيرهم من كتاب القصص البوليسية والجريمة هم كُتاب مرحلة المراهقة، أما روايات "شارليز دكينز" ومسرحيات "شكسبير" فهم لمرحلة عمرية أعلى فهل ترى ذلك صحيحًا؟ وهل من العيب أن تكون ناضجًا وتقرأ لكاتب يراه الناس مناسبًا لفترة المراهقة فقط؟
هل تتفق أن هناك كُتاب وأدباء مناسبين لكل مرحلة عمرية أم أن تلك خرافة؟
بالتأكيد هناك كتاب متخصصون للكتابة لأعمار معينة، ويخاطبون مستوىً معيناً من العقول، والأمثلة المذكورة صحيحة، ويقابلهم في العرب مثلاً الأديب الأستاذ "يعقوب الشاروني" الذي تخصص في كتابة قصص الأطفال، ثم الأستاذ "نبيل فاروق" والدكتور "أحمد خالد توفيق" الذان تخصصا في كتابات مرحلة الشباب، وبعد ذلك ينتقل الخط إلى أدباء كبار مثل "عباس العقاد" و"أنيس منصور" و"توفيق الحكيم" وهم يكتبون إلى الكبار.
ولا عيب في نظري في أن تكون كبيراً في السن وتستعيد ذكريات طفولتك ومراهقتك وشبابك بقرائتك في كتب ومجلات كنت تقرأها سابقاً، فأنا رغم تجاوزي الثلاثين من عمري لازلت أشتري وأقرأ مجلات ميكي حتى الآن، ولدي مجموعة كبيرة من روايات الأدب العالمي للناشئين والتي كانت تصدر عن مهرجان القراءة للجميع في مصر، لأدباء عالميين مثل: تشارلس ديكنز ، ألكسندر دوماس، ليو تولستوي، إميلي برونتي، توماس هاردي، ومارك توين وغيرهم، وأحب جداً قراءتها من وقت لآخر وأكون في غاية السعادة وأنا أسترجع ذكريات مراهقتي مع تلك الروايات الرائعة.
في اعتقادك أن تدرج مستواك كقاريء من كاتب لآخر يكون بعوامل معينة مثل تطور اللغة العربية وازديادها قوة أم بتطور الأفكار وكون الروايات وأفكار الجريمة تقتصر على مرحلة المراهقة فقط؟
بالطبع يعتمد الأمر في الأغلب على تطور القدرات العقلية الفكرية والقدرات اللغوية، وأيضاً نمو الخبرات الحياتية، فالمواضيع التي يكتب بها أساتذة التربية للأطفال تكون مبسطة للغاية وتخاطب عقول لا تعرف من الحياة سوى ألوان الفراشات وأنواع الطعام وأشكال الأهل والأقارب، ثم يتدرج المسار لتناول القضايا المثيرة لعقول المراهقين وطرق تفكيرهم مثل الحب والمغامرات والجريمة، ثم يتطور الأمر عند الكبار في النقاش في القضايا السياسية والفلسفية والدينية والتاريخية، والتي تخاطب العقول الكبيرة ذات الخبرة الطويلة، والتي يجدها الصغار مملة للغاية.
من ميزات الرواية الناجحة أن تكون خالدة ومعنى الخلود يعني أن تتخطى القيمة الزمنية والوقتية التي نعطيها للأشياء. لذلك فإن الرواية الناجحة تتحدى الوقت فتناسب جميع المراحل العمرية. فعندما كنت في الرابعة عشر عاما مثلا قرأت روايات على مستوى عال من التعقيد مثل الجريمة والعقاب والإخوة كارامازوف وآنا كارنينا والعشرات من الروايات الأخرى . وقد فهمت حينها محتوى الروايات بشكل لا بأس به. أنا أعتقد أن فهمنا للأشياء يختلف مع تغير العمر ومن ضمنها فهم الرواية للشاب وللمراهق. فعندما عدت وقرأت الجريمة والعقاب استخلصت دروسا جديدة وفهمت الرواية من زاوية جديدة وقاربتها بشكل معمق أكثر. فكلما كبرنا نضجنا وأصبحنا واعين أكثر فتتظر إلى اللب لا إلى القشور. وأما عن روايات آغاثا كريستي فأنا أرى أنه غير منصف اعتبارها أنها تلائم المراهق لا إنسانا بمرحلة عمرية أعلى. فروايات آغاثا كريستي تعمل على تنمية مهارات التحليل النقدي لدى القارئ خاصة لأنها تفاعلية وتتطلب تدخل القارئ. فعندما تبدأ كقارئ بأول كتاب لها تساعدها في حل الجريمة بطريقة ما (تكتشف لاحقا أنها سطحية وخاطئة )ومن ثم تعلمك أهم درس وهو أن محرك الحقد والجريمة الراكد في النفس الانسانية هما المال والحب. ومع تتالي قراءة كتبها والخوض في عالم الجريمة يصبح لديك قدرة أعلى على تحليل المشهد فتطرح اسئلة ذكية تساهم في حل العقدة.
في اعتقادي أن روايات أجاثا كريستي مصنفة لدى الأكثرية أنها مناسبة للمراهق لأن الطابع العام لرواياتها هو ما يفضله المراهق الذي بدأ لتوه في إفساح المجال لعقله حتى يتخيل .. مسرح جريمة، قاتل هارب،الأنسة ماربل أو هيركول بوارو يحاولان كشف اللغز، وتنتهي الروايةبأن كُشف القاتل وتم محاسبته .. فيظن القاريء سواء كان مراهقًا أو بالغًا لكن لا يُحسن النقد أنه فهم جميع جوانب الرواية .. ولذلك توضع أجاثا كريستي في جانب المراهقين
أما في روايات ديستوفيسكي، وليو تولستوي، ومسرحيات شكسبير، فإن التحليل العميق والبُعد النفسي لكل شخصية يبدو معقدًا، فرواياتهم قد لا تعجب كثيرُ من المراهقين الذين يبحثون عن غذاء لخيالهم في المقام الأول .. ولذا تتجه لهم بعد فترة من القراءة، وقد لا تفهم كل الجوانب في الرواية لو قرأتها صغيرًا كما حدث معكِ .. ولكننا نخلص من ذلك أنه ما من مانع لقراءة الروايات البوليسية ولو تخطيت سن المراهقة، ولا يضر المراهق أبدًا لو قرأ أدب ديستوفيسكي أو غيره، ربما لن يفهم كل مقصده لكنه لن يشعر أنها نقطة سلبية.
بعض الكتب قد تكون مناسبة لفئة عمرية معينة نظراً للمحتوى الذي يتضمنه وللمستوى اللغوي الذي يستخدمه، وهذا يعتمد على عدة عوامل مثل مستوى القراءة والاهتمامات الفردية والنضج العاطفي والفكري والثقافي.
على سبيل المثال، يمكن أن يتأثر الأطفال بالكتب التي تحتوي على قيم وأخلاقيات وأحداث تليق بمرحلتهم العمرية، والتي تستخدم لغة سهلة وصور ملونة ومناسبة للفئة العمرية الصغيرة. ومن ناحية أخرى، قد يجد المراهقون أنفسهم يهتمون بالكتب التي تتناول قضايا النضج العاطفي والاجتماعي والثقافي.
فمثلا روايات الجيب التي كنا نشتريها ونحن صغار لا أتوقع أني سأقدم على شرائها الآن، كذلك الروايات لم تعد تجذبني أبدا، إلا لو رواية بمعايير محددة واستخدمها أحيانا لكسر روتين القراءة.
كذلك منذ فترة قرأت رواية للكاتبة حنان لاشين وهي روائية مصرية ورواياتها مشهورة جدا بين الشباب خاصةً الفئة التي بأوائل العشرينات، ولكن عندما قرأتها لم أجد لها أي فائدة بالنسبة لي، لا على المستوى اللغوي ولا حتى المعرفي، لذا هناك أحيانا تصنيف يكون مقصود مثل الكتاب التي تتخصص بمرحلة معينة، وهناك تصنيف غير مقصود عندما يصبح مستوى الرواية لا يرقى لكافة العقول.
أعتقد لأن ما يبحث عنه المراهق هو الخيال كعنصر أساسي، يبحث عن بطل يضع نفسه مكانه ويتخيل لو أنه اتخذ قراراته وتكلم بصوته .. ولذلك تنتشر مثل تلك الروايات بين الشباب الذي لا يزالون يبحثون عن واقع مشابه لحياتهم يتخيلون أنفسهم فيه، وقد تنتشر الروايات الرومانسية لتنمية الجانب العاطفي بنفس الطريقة .
وفي اعتقادي أنك حينما تبلغ مرحلة معينة من النضج والتاجرب الحياتية تجد نفسك في غنى عن تخيل واقع مشابه، بل تحاول البحث عمن يصف لك الحياة الواقعية ويساعدك كي تخطى ما بها من قضايا ومشاكل واقعية تمامًا .. فتحاول البحث عن دليل لمجابهة الواقع لا أن تهرب منه بتخيل واقع مواز.
فهل ترى ذلك صحيحًا؟
نعم هذا صحيح بالعموم، فلكل فترة عمرية لها ما يسهويها من جهة ومن جهة اخرى لها قدراتها العقلية والاستعابية التي تجعلها محدودة بنوع معين ، فالأطفال موجهون لقراءة المكتبة الخضراء ، والمراهقون موجهون للمكتبة البرتقالية التي تهتم بالروايات والقصص البوليسية والجرائم مثلا، وبدايات الشباب يهتمون بالكتابات الرومنسية الحالمة لذلك تجد كل من هم في بداية الشباب يعتبرون احلام مستغانمي ونزار قباني هم اربا الادب، لكن في مرحلة النضج لا يعود لها معنى اطلاقا ويتجه القران لقراءة الكتابات الدسمة الثقيلة مثل القراءة في الفلسفة والمجالات الفكرية الصعبة.
وهل من العيب أن تكون ناضجًا وتقرأ لكاتب يراه الناس مناسبًا لفترة المراهقة فقط؟
ليس من العيب طبعا، فلك شخص عمره العقلي ونضوجه الخاص فيمكن ان تجد مراهق في 19 يستطيع ان يستوعب افكار لا يستوعبها الا من هم في 50 مثلا، لانه ناضج فكريا، في حين قد تجد اشخاص في 40 مازالوا يقرأون كتب موجهة لاشخاص في 15 ..
على العموم النضوج ليس مجرد كلام فحسب، عليك ان تشرع في قراءة كتاب مهما كان ، فإذا استطعت استيعاب جزء منه فهذه مساحتك ويمكنك قراءته بكامله، لكن اذا بدأت القراءة ولم تفهم حتى نصفه، فهذا اكبر من قدراتك الحالية يمكنك ان تقرأ غيره وتعود اليه مستقبلا .
أعتقد أن التدرج مطلوب، فأتفق معكِ أنه ليس هناك سن معين لقراءة كتب الفلسفة والمجالات الفكرية المعقدة، ولكن لو شخصُ فورًا بدخول هذا العالم دون تمهيد فلا أظنه سيفهم أكثرها، ذلك لأنه لم يمهد نفسه لدخول عالم القراءة عن طريق قراءة الروايات الوكتب الخفيفة، لذا فالتمهيد نقط مهمة جدًا لا يمكن أن نغفلها .. ولكن مدة التمهيد هي ما تختلف من شخص لآخر.
أعتقد أن حتى الكتاب نفسهم مدركين لذلك الأمر ويتعاملوا معه بمنتهى الوضوح، تحديد جمهورك من البداية أمر مهم جدًا لتعرف ماذا ستكتب لهم، فالطبع بعض الكتاب يستخدمون اسلوب أبسط ولغة أبسط في الكتابة عن كتاب آخرين وهو ما يجعلهم مناسبين أكثر لفئة عمرية محددة، أغاثا كريستي مثلًا تتفنن في غزل تفاصيل الحبكة لتثير عقول المراهقين بشكل أكبر، وهو أمر ناجح تمامًا ومقبول ويؤكد على تمكنها مما تفعل.
لا أرى عيب أبدًا في ذلك ولا في أن يقرأ أي شخص أي شيء مهما كان عمره فالقراءة ممتعة، ولكن تختلف متعتها أيضًا حسب القدرة اللغوية والثقافية والتي من الممكن أن ترتبط بالعمل بكل تأكيد
في الثانية عشر من عمري قرأت أول كتاب لأدب السجون، وفي الرابعة عشر أهداني والدي كتاب" منازل السعداء"، هل عمري آنذاك كان يتوجب أن أقرأ القصص والروايات القصصية، أم أن العمر لا علاقة له في اختيارنا للكتب، وإنما الأمر يعود للعقل وما يُشبع حاجته
التعليقات