في روايته “عصر الحب” يحكي نجيب محفوظ حكاية الست “عين” تلك المرأة الملائكية التي هي آية في الرحمة و البر بالفقراء و العطف على الحيوان حتى القطط حتى الكلاب! كانت ملاكاً يمشي على الأرض أو كادت أن تكونه! سخرت ست عين أملاكها وحياتها بعد ترملها لخدمة الناس وتربية ولدها الوحيد وأبت أن تتزوج. سلقتها الناس بألسنة حداد. يقول الراوي على ألسنة الناس تفسيراً لسلوكها الملائكي:

 - إنها حكاية جميلة، ولكن هل تصمد أمام التمحيص؟

-ألا ترون أن التاريخ العلمي نفسه تحوم حوله الشكوك؟

-الإحسان ظاهرة حقيقية، ولكن ليس على تلك الصورة المذهلة!

-ولا تنسوا أن الإحسان نفسه لعبة من ألاعيب الأنانية!

-إليكم حقيقة عين. هي لم تجد العين التي تنفذ في أعماق الظواهر، ولو وجدتها لتكشفت عن امرأة أخرى لها سيرة بشرية حقيقية، ربما حفلت بالفضائح.

 الواقع أن محفوظ أثار شجوني؛ ففي أوساطنا الإجتماعية تثار تلك الشكوك حول الفضيلة الخالصة بلا مسوغ. الحقيقة حينما تفكرت في ذلك النزوع البشري في تلطيخ الفضيلة الخالصة لم أخلص إلى إجابة ترضيني. لماذا نأبى أن نسلم بوجود المثل العليا متجسدة في بشر حولنا؟! هل نفعل ذلك لأننا - أو معظما- ملوثون من الداخل فيسنجب علينا المثل: كل بئر بما فيه ينضح؟ أم نفعل ذلك لنسوًغ لنفوسنا المرتكسة الشريرة الإرتكاس و الشر؟ غير أني قلت في نفسي: لماذا نلوم أهل حارة نجيب محفوظ في قولهم ذلك وعندنا ممن يحسب على العلماء من أمثال فرويد ممن نسبوا كل فضيلة إبداع أو عمل خارق عظيم إلى عقدة نفسية خلفها رغبات جنسية مكبوتة؟ فما إبداع المبدعين وما عظمة العظماء إلا تسامي بتلك الرغبات المكبوتة المتنكرة في رداء العظمة و الفضيلة وذلك فيما يعرف بتسامي الجنس (sublimation of sex)!!

 فلماذا يا ترى نميل إلى تشويه كل جميل؟ لماذا لا نقبل أعمال الإيثار كما هي دون أن نفتش في النوايا ونلتمس لها تفسيرات ملتوية في عقد نفسية وخلافه؟!