أن تكتب عن ما تراه، أن تنقل واقعاً مُعاشاً محيطاً بك، أن تنقل موقفاً طريفاً حزيناً أو حتى غريباً عليكَ أو على القرّاء من المُجتمعات الأخرى فهذا النوع لا يفهمهُ كثيرٌ من الشُبّان العرب ناهيكم طبعاً عن الكِبار منهم من القرّاء وأحياناً المثقّفين، ما الذي لا يفهمونه فعلاً؟ هم لا يفهمون أو لا يصدّقون أنّ ذلك أدب فعلاً، وأنّ ما يُكتَب يُصنّف ضمن مجال الأدب ونوع المُشاهدات اليومية.

يُقال مثلاً: أنّ تلك تسلية في الكتابة، وربما إن أحسنوا الظنّ ومحّصوا قليلاً وأُحرجوا لقالوا تلك تسلية عاطفية من باب ما يُقال بالعامية "فضفضة" ليس إلّا، لذلك أجاري بعضاً من هذا وأقول: تعالوا "للفضفضة" إذاً، لإنّ ما تحوي كثير من الأمور يبدو أنّكم لم تطّلعوا عليها بعد، أذكر منها مثلاً ما أراه يصدق فعلاً: هذا فن قديم في الكتابة! - سيُقال لي: متى؟! لا إنّهُ مستحدث! سأجيب فوراً بهذا السؤال: ماذا عن أدب الرحلات؟ لماذا نشأ هذا الأدب أو الأصح علامَ يقوم هذا الأدب بالضبط؟ وكإجابة على الأمر أعرّفهُ كما تعرّفهُ الكتب والمساقات الدراسية المعنية بالأمر: هو نوع من الكتابة مهمّته الوحيدة تصوير ما صادف من أحداث ربما غريبة وأمور ملفتة، تدوين ما يصير في المحيط ليصير مُلكاً للجميع دون إعمال الخيال إلّا باختيار المترادفات اللغويّة المُوفّقة أو المؤثّرة. 

هذا أدب الرحلات، فهل أحدّث عن المُذكّرات وأدابها وأدب الرسائل وغيرها من الأنواع؟ لماذا أُعتبر كل ذلك السابق أدباً ولم تُعتبر إلى اليوم وخاصّة في المنطقة العربية المشاهدات وتدوينها نوعاً أدبياً خالصاً بعينه، يستهدف محيط الكاتب بالكتابة والمجموع بالقراءة؟ وأخيراً طبعاً أخاف أن أنسى أهمّ تلك الأسباب التي يجب أن تدعونا إلى الاهتمام بهذا النوع الأدبي، إلى إيلاءه الحماية من السخرية، الاهتمام والتنمية والتركيز، لإنّ أدب المشاهدات بما يحمله من أمور لن تتكرر في المستقبل وقدرة غير طبيعية على التقاط طبائع ومزاجات الفترة المُدوّن بها تغدو هذه الأمور عنصراً حياً وحساساً في التأريخ أيضاً، في فهم كل سنة ماضية.

والأن أسأل: هل يجتذبك هذا النوع من القراءة، وهل تعتقده مثلي أنّهُ أهم أنواع الأدب؟