يُتخمنا العالم الحديث بدعوات السُرعة، السرعة في كُل شي، السرعة في التنقّل، والسرعة في الإتصال والسرعة في الأكل أو ما يُسمى بالوجبات السريعة، نُسرّع العلاج والتعليم والترفيه، كُل شيء تقريباً، بمعظم الأحيان تنجح وصفتنا، خلطاتنا السريعة وحياتنا ومنطقنا المُتسارع، لكن ألا تعتقدون بأنّنا فشلنا فعلاً في تسريع القراءة؟ أو أنّ القراءة السريعة هي أفشل ما أنتج الإنسان الحديث وأكثر ما يُصرُّ عليه. 

يقاوم الكثير من المثقّفين والكُتّاب وخاصّة طبعاً طلّاب الجامعات الذين يحتاجون للمرور بالكثير من المراجع وربما الكثير جداً من أجل اجتياز مقرراتهم، يُقاومون كلامي وطروحاتي بأنّ يسقطوا على الامر حقائق تقنية، فمنهم من يقول بأنّ القراءة التي يعتمد عليها الإنسان فعلاً هي مرور العين على الكلام واللفظ هو شيء عابر لا داعي له، شيء جمالي في العملية، كمالي، لا أساسي. 

وبعضهم يحتج ويزيد على ذلك بقوله: الذاكرة تستوعب كميات مهولة لا يمكن أن تتخيلها، قد تستطيع استيعاب مكتبة في خمس دقائق! هل أبالغ أنا الأن في وصف ما يقولون؟ بالطبع لا، يمكنكم العودة إلى المقالات المكتوبة عن مديح هذا الأمر. 

لكن هل هذا يُبرر هذه الممارسة؟ لا طبعاً، للقراءة السريعة مساوئ أكثر من أن تُحتمل أو تطاق، هي مضيعة للوقت بشكل أكيد، مُضرّة به وبالشخص، كيف يكون ذلك؟ عبر أمرين على الاقل، أمر نفسي وأمر عملي جداً، سأبدأ بالأخير: 

للقراءة هدف أكيد ومهم جداً، هو تحصيل المعرفة، لكنّ المعرفة الناجزة المتحققة التي لا يشتغل عليها الإنسان بالتفكير والنقد والتأمّل والمداولة والعودة والمراوحة فيما بينها وبين الدماغ، هي معرفة لا يُعوّل عليها، لا تبني ولا يمكن الاستنتاج منها والاستفادة، بالقراءة السريعة يغدو الدماغ flash memory بسيط، كارت للذاكرة، ليس مُهمّاً أن ينتقد ما يعرف ويتأمل فيه جملة جملة ورويداً رويداً، بقدر ما أنّهُ مهم أن يؤرشفه ويخزّنه فقط.

السبب الثاني: للقراءة مُتعة عظيمة، والمُتع يجب أن تُعطيها حقّها ومزاجها، هذا السبب النفسي، المُتع المُختمرة هي أحلى المُتع، والقراءة التي تُنجز كما يجب أن تُنجز ويُعطى لها الوقت والاهتمام والتركيز والالتفات الذهني قبل التخزيني، هي قراءة ناضجة وممتعة ولا تعدلها تجربة. 

أخيراً وكي لا أطيل على من يقرأ مساهمتي بهدوء ويتأمّل: إلى أي الكفة تميل في تجاربك؟ قراءتك سريعة أم متوازنة مُركّزة؟