(غادة .. أعرف أن الكثيرين كتبوا لك، وأعرف أن الكلمات المكتوبة تخفي عادة حقيقة الأشياء خصوصًا إذا كانت تُعاش وتُحشّ وتُنزف على الصورة الكثيفة النادرة التي عشناها في الأسبوعين الماضيين .. ورغم ذلك، فحين أمسكت هذه الورقة لأكتب كنت أعرف أن شيئًا واحدًا فقط أستطيع أن أقوله وأنا أثق من صدقه وعمقه وكثافته وربما ملاصقته التي يخيل إليَّ الآن أنها كانت شيئًا محتومًا، وستظل، كالأقدار التي صنعتنا: إنني أحبك.) رسائل غسان كنفاني إلى غادة السمان - غسان كنفاني
بعد وفاة غسان كنفاني بعشرات السنين قامت غادة السمان بنشر مجموعة من الرسائل زعمت أنها أُرسلت إليها منه، إيمانًا منها بأنه تراث أدبي، وملك لجميع القراء المحبين للراحل. وهو الأمر الذي قوبل بهجوم هائل من جمهور كبير من القراء والكتاب على فعل غادة، وفي نفس الوقت تأييد من جمهور آخر لا يقل حجمًا عن الأول لفعل غادة وصنيعها. والمطلع على هذه الرسائل سيجد أنها عظيمة أدبيًا، وتظهر جانب آخر من شخصية غسان المناضل، جانب العاشق المسكين، الضعيف الذي وهن من شدة عشقه لمن لا تبادله نفس العشق.
إن ما يجعل هذا العمل ذو قيمة عظيمة هو أنه ينتمي إلى أدب الرسائل، حيث أن التراث العربي فقير من هذا النوع من الأدب، لاعتبارات كثيرة، منها أخلاقية من حيث عدم أحقية أي إنسان نشر كلمات آخر على الملأ دون إذن منه، حتى وإن كان أديبًا كغسان كنفاني.
إن رسائل غسان كنفاني لغادة السمان تضج بالعشق في كل سطورها، والحنين والشوق والحب، تضج بضعف شديد، وربما تفاصيل دقيقة خاصة به وبغادة. مما جعل امر النشر مشينًا بالنسبة للكثيرين، فهي بهذا أظهرت جانبًا مظلمًا من حياة غسان ربما لم يكن يحب ظهوره من الأساس. علاوة على أن غسان لديه زوجة وأبناء، وغادة نشرت هذه الرسائل على مسمع ومرأى من أسرته، دون مراعاة لمشاعرهم، وخاصة مشاعر الزوجة التي أدركت بهذه السطور خيانة زوجها الحبيب لها على مدار حياتهما، بل وفي احدى الرسائل عبر غسان عن أن حياته مع زوجته لم تكن سهلة، أو سعيدة، ونوعًا ما بدا الندم من زواجه منها وإن لم يصرح بهذا صراحة في كلماته.
غادة السمان، مثيرة للجدل على الدوام، ما من فعل لها إلا ويثير الجدل لفترات طوال. وغير رسائل غسان نشرت كذلك رسائل الشاعر الراحل أنسى الحاج فيما بعد. وفعلها هذا كان سببًا في اثارة الجلل والضجة بين أوساط المثقفين، وخاصة أنها لا تنشر رسائلها لهم كذلك، على الرغم من أن هناك رسائل منها كانت تصل لغسان كنفاني كما اتضح من بعض سطور رسائله.
{غادة ... لست أعرف ماذا يتعين عليّ أن أكتب لك .. لقد أرسلت لك رسالة مطولة منذ أسبوع، ومع ذلك فرسائلك تقول أنك لم تستلمي شيئًا ....}
ويظل السؤال مطروحًا لماذا تنشر غادة رسائل هؤلاء الأدباء بعد موتهم؟
أهو بحث عن شهرة ربما لاسمها، أو رغبة في أن تظل حديث التاريخ ويرتبط اسمها بعظماء كهؤلاء الكتاب؟ أم هو فعل نابع من رغبة حقيقية في الحفاظ على التراث الأدبي لهم، واثراء الأدب العربي بحروف عظيمة كحروف هؤلاء؟
سواء كان هذا أو ذاك لا يمكن تناسي أو اغفال أن هؤلاء العظماء بشر، قد يخطئون، وقد يضعفون، وليس هذا مبررًا للانتقاص من شخوصهم أو التسفيه من تضحياتهم في حيواتهم. وإن كان هذا يعد درسًا عظيمًا لكل إنسان ألا يعلي من شأن أي شخص حد السماء وتنزيهه من النقائص؛ حتى لا تنهار كل هذه الأحلام والثقة الزائدة إلى أسفل سافلين بظهور خطأ أو أكثر لمن تم تنزيههم.
ما رأيك عزيزي القارئ ... هل نشر مثل هذه الرسائل حق لكل قارئ لهؤلاء الأدباء؟ أم هو انتهاك لخصوصيات أشخاص واراهم الثرى؟
التعليقات