مرحباً يا أصدقائي الكتاب. هل تشعرون بما تكتبون؟ هل تتذوقون الكلمات التي تطبعونها على الورق أو تنطقون بها سواء عربية أو إنجليزية؟ لم أعرف قيمة معرفة أصول الكلمات إلا حين أخطأ مدرس أمامي في الثانوية ونطق وقال: ولا تصغّر خدك للناس بدلا عن تصعّر الكلمة الواردة في الآية الكريمة في سورة لقمان. استغربت وزملائي ساعتها وقلنا: تُصًعر! ولكن ما معنى تُصًعر؟! لم يكن أغلبنا يعرفها حينئذٍ. لم أهتم كثيراً ساعتها غير أني بدأت استرجع تلك الواقعة حينما تخصصت في اللغة الإنجليزية. حينئذِ علمت قيمة معرفة أصول الكلمة الأولى. فمعظم الكلمات نشأت أول ما نشأت لتعبر عن أشياء مادية.
ذلك أن الإنسان لم يكن قد ارتقى ليكوّن معان مجردة؛ فالنوع الإنساني في أطوار رقيه مثله مثل الطفل. فهل الطفل يدرك معنى الحب أو الكره أو العدل؟! وإنما يدرك أسماء الأشياء المادية فقط. وكذلك الإنسان البدائي كانت مفرداته قليلة جداً تعبر عن أشياءه الملموسة. ثم إنه ارتقى شيئا فشيئا وراح يعبر عن المعاني المجردة بألفاظ لا تبعد عن المعاني الحسية الأولى. ومن هنا فائدة أن تتطلع على أصول الكلمات؛ فهي تزيد الكاتب سعة في أفقه وقدرة على فهم المصطلحات والتعابير إذ من الممكن أن يخمنها من معناها الأول. لنعد إلى كلمة " تُصعّر" التي عرفت أنً أصلها يرجع إلى كلمة " صَعَر" وهو داء يصيب عنق الأبل فتميل إلى جانب واحد. أترى يا صديقي كيف اشتق العرب من مرأى الصَعَر معنى الكِبْر؟! أترى كيف جرًدوا المحسوس وعمًموا المخصوص؟!
الأمر يتضح أكثر في الإنجليزية الراجعة في أصولها إلى الجرمانية القديمة غير أنها تستمد كثيرا من بوادئها ولواحقها من اللاتينية والإغريقية أيضاً. إذن، فمعرفة الأصول تعرفنا كيف تم تصحيف الكلمات وتعرفنا ثقافة الأولين وطريقة تفكيرهم وشعورهم وكيف كانوا يرون العالم. فلو نظرنا إلى كلمة[Disaster] قاموس تشامبرز لوجدنا الآتي:
[ O.Fr. desastre, des – (L.dis-) with evil sense, aster, a star, destiny – L. astrum, Gr. Astron, star]
فكما ترون فأصل الكلمة ينتهي إلى الإغريقية والتي تعني نجم سيئ أو شرير! ذلك المعنى يكرً بنا إلى الوراء حيث اعتقد الناس إن للنجوم سلطان على مصائرهم وأن الكوارث الطبيعية كانت تحدث لغضب الآلهة المحركة للأفلاك!
ذلك المعنى نجده عند المعري إذ يقول:
تَقِفونَ وَالفُلكُ المُسَخَّرُ دائِرٌ وَتُقَدِّرونَ فَتَضحَكُ الأَقدارُ
من ذلك المثل يتضح لنا كيف أنً معرفة أصول الكلمات تُثري معرفتنا وإحساسنا بالعالم من آلاف السنين قبلنا فتربط معرفة الماضي بالحاضر وتُرينا كيف تتداخل الثقافات. فالكلمة ذاتها أصبحت تعني لك ولي الكثير الآن.
ألم تقرأ يا صديقي عن رواية "يوتوبيا" لأحمد خالد توفيق؟ إن لم تفعل فأنت مثلي ولكن ألفت نظرك إلى أنني عرفت مضمونها أول ما سمعت بها من دون قراءة ؟
كلمة يوتوبيا أصلها إغريقي ولو رجعت إلى أصلها لوجدت:
[ Gr. Ou, not, topos, a place]
وبالمناسبة أول من صكً تلك الكلمة هو توماس مور الإنجليزي فدمج المقطع OU إلى topos ليعني " المكان غير الموجود" أو المدينة الفاضلة بترجمتنا نحن العرب.
الأمثلة جمّة يا صديقي ولا متسع لذكرها وإني أسألك: هل ككاتب تُعنى بأصول الكلمات أو تتبعها سواء إنجليزية أو عربية؟ ولماذا لم نجد حتى اللحظة معاجم عربية تؤصّل لأصول الكلمات عندنا كما في الغرب؟
التعليقات