كتاب باتمان والفلسفة. لماذا يجب الغاء حكم الإعدام؟

لكن السبب الأهم والأوضح هو أنها قصة خيالية وكما نحتاج البطل فنحن نحتاج الشرير الأول ليعم التوازن وهكذا يبقى الجوكر دائمًا يومًا أخر ليروع مواطني جوثام.

كنت سأقول هذا، ستنتهي هذه الملحمة أن قُتل الشرير.

 هل باتمان محق في فلسفته؟ وهل عقوبة الإعدام خاطئة؟

لا ليس محقًا، لسبب واحد فقط ألا وهو حق من قُتل، أو من مورس عليه الشر، الضحية، هل من العدل أن يُقتل إنسان دون أدنى ذنب، ثم نقرر ألا نقتل من قتله، حتى لا نصير وحوشًا.

هل سنسجنه إلى الأبد، ماذا إن هرب وقتل أبرياء آخرين، هل سنعيد سجنه مجددًا وتكرار الأمر.

إن عقوبة الاعدام تتخطى حاجز هذه الفلسفة، فلسفة ألا نصير وحوشًا كالمجرمين، وتصل إلى نقطة رد حق المجنى عليه، على قدر الجريمة يكون العقاب، فما القدر المناسب لجريمة زهق الأرواح؟ لا أظن أن هناك انسب من العين بالعين والسن بالسن والبادئ أظلم

لو نظرنا للأمر واقعياً فالإعدام وسيلة ردع للمجتمع بأكمله وليس للمجرم فقط، من أهدافها أن يعلم كل أفراد المجتمع أن من يفعل مثل ذلك الفعل الإجرامي ستكون عقوبته الموت دون رحمة أو شفقة.

ولنكون أكثر واقعية، فتلك الوسيلة الرادعة لا يمكن أبداً الإستغناء عنها يا أمنية بأي حجة أخلاقية، فالأخلاق هي ما تدفعنا لمثل تلك الوسائل، لأنها تحد من الجرائم وتقلل من المجرمين، فلو علم مجرموا العالم أن عقوبة الإعدام سيتم الغاؤها أو سيوقف العمل بها لفترة، فأنا أضمن لك أن أعداد القتلى ستكون الضعف على أقل تقدير في تلك الفترة، لذا في الفترات التي يكون فيها عدم استقرار داخل الدولة يكثر أعداد المجرمين والخارجين عن القانون..لماذا؟ لأنهم يعلمون أن تلك الفترة الإستثنائية سيهربون من العقاب بطريقة أسهل.

لذا أومن بمقولة "من أمن العقوبة أساء الأدب".

ولذلك لا أرى نظرة باتمان نظرة أخلاقية..بل هي رعناء متساهلة تزيد من أعداد المجرمين داخل المجتمع، وهذا لأن المجرم عبارة عن عضو مصاب بالسرطان إن لم يتم بتره فسيتمدد حتى يشمل قطاع كبير من المجتمع.

في تركيا قاموا بإلغاء عقوبة الإعدام تمامًا في عام 2004. وأقصى حكم لديهم هو السجن المؤبد.

 وهل عقوبة الإعدام خاطئة؟

لا أجد أي حجة منطقية يمكن أن تجعل من الإعدام عقوبة خاطئة، بل على العكس تماماً الإعدام مهم لتحقيق العدالة في الكثير من القضايا من عدة جهات أولها أنها لو لم تكن عادلة لما أقرّها التشريع الإسلامي تحت مسمى القصاص، وثانياً أن القاتل سيعاقب بنفس الفعل الذي ارتكبه وهو القتل أليس هذا تطبيق صريح لمفهوم العدالة، ثالثاً لا أعلم لماذا تم تصوير الإعدام على أنه إجرام ولماذا يظن باتمان أنه بقتله لمجرم سيتساوى معه، لماذا لا يكون قتله للمجرم هو بمثابة قتل لإجرامه وإنهاء لشره وليس قتلاً له لذاته، ما أعنيه أنه لا يقتل المجرم لأنه فلان بل يقتله لأنه ارتكب جرائم بحق آخرين وسيستمر في إراقة دماء آخرين إن سنحت له الفرصة، لذا الإعدام هنا سيغلق الباب أمام تمادي هذا المجرم نحو جرائم أخرى وسيحفظ حياة آخرين .

رابعاً، أليس الموت نهاية حتمية لكل إنسان على هذه الحياة، إذاً بقتلك للمجرم ستكون قد ساهمت في نهايته المحتومة ولكنك في نفس الوقت أنهيت شره معه .

خامساً، ماذا لو سامحنا كل المجرمين في العالم ؟ سيتمادى آخرون في إيذاء الغير بحجة أنهم بمأمن من العقوبة ولا يوجد رادع يخمد الشرور الذي بداخلهم، ولنكن صريحين مع أنفسنا فالإنسان خليط بين الخير والشر، بداخله هاتين البذرتين وبيده الخيار أن يسقي إحداهما ويغض الطرف عن الأخرى، جميعنا تراودنا أفكار شريرة ومؤذية في بعض الأحيان ولكن ليس الكل مستعد لتطبيقها، بل إن هذه الأفكار سرعان ما تتبخر عندما نتذكر الروادع الدينية والقانونية والإجتماعية، فإذا انتفت هذه الروادع أصبح التجاوز سهلاً .

سلسلة باتمان ممتعة ومثيرةٌ للتساؤلات أيضاً، وخصوصاً في الجزء الثاني (الجوكر) الذي تثير فلسفته التساؤلات أكثر من باتمان بالنسبة لي، أما فيما يتعلق بباتمان فنحن هنا نتحدث عن رجلّ خارق في إمكانياته، يواجه العصابات المنظمة التي لم تنجح الشرطة في ردعها، ويتجاوز القوانين ليردع تلك العصابات، وقد نجح فعلاً قبل ظهور الجوكر بالقضاء تقريباً على الجريمة المنظمة في مدينته، يمتلك باتمان القوة البدنية والتكنولوجيا والأموال الطائلة لينفذ مهماته بنجاح وبسرعة تفوق سرعة الشرطة بأضعاف، ويمتلك سبل حماية متطورة ورغم ذلك يتعرض لخطر القتل ويتعرض للإصابات أحياناً، أما لو عدنا للواقع وقارنا الخارق بالبشري،

فإن أجهزة الأمن تبذل وقتاً وجهداً وأموالاً وأرواحاً في سبيل كشف عصابة منظمة أو خلية إرهابية وقد تتعطل بسبب الإجراءات أو الفساد والنفوذ، لذلك يجب أن تكون هنالك عقوباتٌ رادعة تساهم في تقليل الجرائم المنظمة والإعدام أحد هذه العقوبات.

أما بالنسبة للجرائم الفردية، فإنّ قرار الإعدام لا يكون فردياً وتابعاً لهوى أحدهم، بل يفترض أن يكون قراراً تنفذه مؤسسة بحكم قضاء مستقل ضمن المعايير والأحكام المشرع بها، وهذا ما يجعلها عادلة ورادعة، فلو كان لقاتلٍ أن يفكرّ في عواقب فعلته وكان السجن ثم الإصلاح النفسي والخروج ولو بعد مدة طويلة بدلاً من الإعدام فقد يستسهل كثيرون القتل لأنهم أمنوا العقوبة الرادعة، ومن المفارقات أنّ دولاً تمنع عقوبة الإعدام بحق القتلة تحلق طائراتها فوق العزّل الأبرياء فتنسف بيوتهم على رؤوسهم وتسوي مدنهم بالأرض في ثوانٍ معدودة!!

عقوبة الإعدام يجب أن تلغى للكثير من الأسباب. فبداية، تتضح براءة الكثير من المتهمين بعد فترة زمنية طويلة، وحصل في الكثير من القضايا إعدام لأشخاص تبين أنهم بريئين، وبهذا نكون أمام جريمة أخرى. ومن جهة أخرى، بإعدام الإنسان، نحن نحرمه فرصة الندم والتوبة على ما فعل. فالجريمة لن تتغير إن قتل من نفذها، ولعل الإحساس بالندم أكبر عقاب يمكن أن يواجهه الإنسان. أعلم أنه في الكثير من الأحيان يطالب أقارب الضحية بالإعدام ليشفى غليلهم، ولكن فعليا لن يتغير شيئ. فما حصل قد حصل والهدف هو وضع حد لأذى المجرم. أنا لا أرى أي فائدة للإعدام تزيد عن الحكم المؤبد بالسجن.