لا يختلف اثنان فيما أظن على أن السعي وراء الربح أصبح ضروريا من ضروريات الحياة، فالمشاكل الاقتصادية التي تجري خلف المجتمعات جري الشرطيّ خلف سارق، وارتفاع الأسعار الذي وصل إلى الحلقوم، كافيان لأن ينظر الإنسان إلى المال نظرة تقديس، لا أقول أن كل إنسان ينظر إليه هذه النظرة لكن على الأقل هم الغالبية. 

ومما لا شك فيه أن الدعاية والإعلان لهما دور مهم وكبير في تحديد آلية الربح، لكن أيجب لتحقيق ذلك أن تكون هذه الدعاية كاذبة وهمها الأكبر الربح الأقصى لا الفائدة القصوى للمجتمع من استعمال هذه السلع؟ 

قديما كان الإنسان ينتج السلع كي تخدمه ويستفيد بها وهذا هو السبب الأساسي لحركة الإنتاج بكافة أنواعها، لكن في هذا الزمن أصبح الهدف من الإنتاج هو مجرد الاستهلاك، ولنضرب مثالا سريعا: قد يمتلك الواحد منا هاتفا ذا إمكانيات جيدة لن أقول معقولة، وتعينه على كل ما يريد، وإذا ما خرج للنور هاتف ذو إمكانيات أعلى تسارع الناس إليه، بل إن كثيرا منا يقوم بتغيير هاتفه كل سنة بهاتف ذي إمكانيات ومبالغ أكبر لمجرد التغيير لا لأنه يحتاج إليه. 

تناول إيريش فروم في كتابه فن الوجود، الذي يتكلم عن الوجود كفن والعقبات التي تعارضه، عن عقبة الكذبة الكبرى، وقد لفتت انتباهي هذه العقبة كثيرا لما تتناوله من موضوعات. 

يقول فروم: قد تكون أصعب العقبات التي تواجه فن الوجود هي ما أسميه الكذبة الكبرى. إلى أن يقول: إن ظواهر مثل المنتجات المنتهية الصلاحية، أو المنتجات باهظة الثمن والتي في الحقيقة لا تفيد الإنسان إن لم نقل تضر المشتري، والإعلانات التي هي عبارة عن مزيج من قليل من الحقيقة مع كثير من الكذب والإدعاء والكثير من الظواهر الاجتماعية الأخرى ما ذلك كله إلا صورة من صور الكذبة الكبرى. 

 فروم يرى إن الإعلانات التي نراها ما هي إلا جزء من الكذبة الكبرى، والحقيقة أني أوافقه جدا في هذا الرأى. 

قد يرى الإنسان إعلانا لأكثر من مسحوق غسيل، هذه الإعلانات فيها تنافسية شديدة، ويجذبك بشكل كبير، وتجعلك تقارن بينها لتختار لنفسك بحرية، لكن في الحقيقة أنت لست حرا لي هذا الاختيار، والحرية هنا جزء من كذبات الدعاية أنت فقط تختار ما يعرضونه عليك من مميزات تكون أغلبها كاذبة، وقد تتفاجأ حينما تعلم أن أغلب هذه المساحيق ما هي إلا علامات تجارية لشركة واحدة، فالمستفيد في النهاية هو نفس الشخص. 

ولا تقتصر الدعاية الكاذبة على السلع فقط، بل تتعداها إلى دعاية كاذبة تكون أنت نفسك المطلوب فيها. مثل مسألة تحرر الفكر.

قد تجذبك دعايات حول أشخاص يقومون بعمل جلسات لليوجا والصفاء الذهني، تحاول هذه الدعايات أن تقنعك بشتى الطرق أن هذه الجلسات قادرة على تغييرك بالكامل دائما والحقيقة أن هذه كذبة كبيرة، فهذه الجلسات لا يمكنها تغييرك للأبد، لكنها لحظية، ولا يكون التغيير فيها إلا في الدقائق التي تقوم بممارستها، فترى بالفعل بنفسك هذا التغيير، لكن تقوم أساليب الدعاية بالإيحاء لك بأن هذا التغيير يدوم، وحينما تجد نفسك قد عدت لسابق عهدك تجعلك تذهب مرة أخرى لممارستها، والخلاصة أنك دائما تعود كما كنت، وهم دائما يربحون. 

يقول فروم: ليس هناك عيب في التعاليم، لكن العيب الوحيد الذي أراه في مناخ التعليم، وفي محاولات أخرى فإن الزيف يكمن في سطحية التعاليم، وبشكل خاص حينما تدعي أنها مبنية على بصيرة العلماء العظماء، لكن ربما تكون الكذبة الكبرى في الوعد صراحة او موارية، بأن هناك تغيير جذري يحدث في الشخصية، بينما يكون كل ما يمنحه التدريب هو مجرد تحسين آني للأعراض، وفي أحسن الأحوال تحريض للطاقة، وبعض الاسترخاء. 

إن الأساليب المتبعة في الدعاية المبنية على الكذب في أساسها وتضيف إليه قليل من الحقيقة حنى يمكن تصديقها، هي أهم الأشياء التي تساعد على جذب المستهلكين للسلع، دون مراعاة للفوائد الحقيقية لهذه السلغة أيا كان نوعها، لكن الهدف الأساسي هو تحصيل أعلى عائد وأكبر ربح، وإن كان ذلك كله على حساب الأفراد والمجتمعات. 

والآن أخبروني: كيف ترون أغلب مواد الدعاية والإعلان التي تشاهدونها؟ وما رأيكم في هذه القضية؟.