في فكر قليلا قبل أن تعّرف الكتاب الجيد، أتحب تلك التي تُثبت من معتقداتك؟ أم تلك التي تحاول تخبرك بنقيضها؟ 

ما هو الكتاب الجيد؟

راعني كثيرا في كتاب (ماذا علمتني الحياة) لجلال أمين إعجابه الشديد جدا والذي ذكره بشكل متكرر لما يقوله كاتبه المفضل جورج أورويل، حينما عرّف الكتاب الجيد بأنه : "الكتاب الذي يقول لك ما كنت تعرفه من قبل".

توقفت عن هذه الجملة لدقائق، وتساءلت في نفسي، هل بمقدوري تعريف الكتاب الجيد بنفس ما ذكره جورج أو آمن فيه جلال!

سبق وأن أفردت نشرة عن توصيات لما أقرأ وأسمع وقتئذ وذكرت فيها كتاب جلال أمين من خلال الرابط. 

لأثر القراءة والكتب أبعاد مختلفة، وسوف أقول عن نفسي بأنها تجعلني أرتقي في السلم قليلا، مكتشفا بذلك مواطن جهلي، وهي في نفس الوقت ترغمني لأن أرى الأمور من مستوى أعلى من ذي قبل، كما وصفها مصطفى محمود ولكن في موضع مختلف، ذلك حينما ذكر على سبيل التشبيه صغر همومك وغمومك في اطار الكون الذي تعيش فيه، كأن ترى نفسك وسط تراكمات تلك المشكلة العويصة محيطا بك أربعة جدران مختلفة، ترفع عينك لمستوى أعلى، كأن ترى نفسك بعد ذلك في عمارتك السكنية التي تقطن، وسط عشرات من الأنفس التي تسكن معك في نفس البيت مبينة لك ضئالة منغصاتك، تنطلق لأفق أعلى أيضا، كأن ترى نفسك وسط حيك الذي يعج بآلالاف البشر، وهكذا حتى تصل لمستوى الكون بأجمعه، لتسلم تسليما حقيقيا بتفاهة ما تمر به من منغصات وسط هذا الكون الواسع.

ولعلي أميل في هذه النظرة لمصطفى محمود ولكن في إطار القراءة وذلك في إطار الوعي بزيادة الرصيد الفكري واللغوي وفق مفهوم أعم وأشمل، وعلى ذكر سيرة جلال أمين، وغيرها من كتب السير الذاتية، ربما أجمل ما فيها كونها تضيف لعمري سنين عديدة، أشعر وقت تملكتني تجربة رجل عاش ما يقرب من الثمانين عاما، وهو على إختلاف ما قرأته من كتب السير كان صريحا، وواضحا، وربما شفافا لدى البعض أكثر من اللزوم.

ولنعد لما قاله جورج، هل الكتاب الجيد هو ما يخبرني عن ما أعرفه من قبل، ربما في ذلك من الصحة ما يلهب لدي شعور الفضول، فطرق إشباعه متعددة من عنوان الكتاب، لفصوله، ومحتواه، وأخيرا في إسم كاتبه، ولكن ماذا عن تلك الكتب التي تطعننا في خاصرتنا لتخبرنا بعكس ما كنا نعتقده ونظنه؟؟ أليست تلك أيضا بعدا آخر من أبعاد الكون التي استعرتها من مصطفى محمود؟ أن ترى الاخر، ونقيضه!

ربما حتى في تفسير بعض الامور الظاهرية بطريقة مختلفة عن نظرتي السابقة، وبهذا سأعده كتابا جيدا أضاف لي دون أن أشعر، ربما إحدى تلك الكتب والتي ستخبرك بظواهر الأمور عكس ما تظنه كتاب "فن اللامبالاة" لمارك مانسون، لعد جعلني أفكر كثيرا في أمور متكررة الحدوث مثل الألم والسعادة، هذا الشعور المؤلم هو ما يولد معنا منذ الطفولة نتذكر جيدا ونحن في بيوت آبائنا شدة ارتطام أصابع أرجلنا وقت اللعب في الباب وذلك الألم المبرح الذي يصاحبه، فتتعلم درسا لا ينسى في أن تتجنب هذا الألم ما حييت، يستيقظ اللاواعي لديك ليقوم بالعمل بدل عنك، مفرغا إياك. لتتعلم دروسا في الألم ستخبئها لاحقا في هذا (اللاواعي).

أما عن أحد تغيير أكبر معتقداتي فهي في إطار المس والتلبس بالجن، ففي إحدى المحاضرات الصوتية للدكتور عبدالرزاق الحمد، كان قد عرّج على فكرة التلبس، بكون أغلبها أقرب للأمراض النفسية منها كتلبس حقيقي له علاقة بالجن، وقد يعوز السبب في ذلك كون البشر بطبيعتهم دوما لا يحبون العشوائية ولا يرغبون وجود شئ لا يخضع (للسبب، والنتيجة) وذلك بتسلل أحداث منطقية بحتة من وجهة نظرهم كأن يكون لكن حدث سبب يريدوا يلقوا عليه النتيجة، وذلك بكون أي مرض عضال هو نتيجة (حسد، أو عين، أو سحر)!

مع مرور صفحات كتاب جلال أمين، أوضح أكثر مقولة جورج أورويل "الكتاب الذي يقول لك ما كنت تعرفه من قبل" أوضح الفكرة أكثر وذلك بقوله أن الفكرة التي تكون في خلدك ويثبتها كتاب ما، هو ما يقوّم الفكرة ويرتبها ويجعلها في نطاق واضح سهل الاستدعاء إن دعت الحاجة له، مما يثري مفهومها بتقوية ضعفها، وزيادة جوانب قوتها.

وأنت عزيزي القارئ دعني أسألك، ما هو الكتاب الجيد من وجهة نظرك؟

للإشتراك في النشرة البريدية الخاصة بي