بعد قراءتي لرواية البؤساء ظل التساؤل الذي حوته الرواية قائمًا في ذهني حتى يوم الناس هذا. هل يمكن المخطئ أن يصبح شخصا نقيًا ويتخلص من لوثة الخطيئة؟
"جان فال جان" أحد شخصيات رواية البؤساء للكاتب الفرنسي فيكتور هوجو، حيث يمثل الشخصية المجرمة الفارّة من العدالة، والتي ستصبح خيّرة فيما بعد، ومن خلالها يطرح هوجو تساؤلات حول الخطيئة والتوبة والخير والشر.
لمن لم يقرأ الرواية، بعد خمسة عشر عامًا قضاها في السجن مع الأعمال الشاقة قرر "جان فال جان" أن يهرب، وهرب بالفعل. ظلت العدالة -ممثَّلة في شخصية المفتش جافيير- تلاحقه وتقتفي أثره، لكنه كان خصمًا صعبًا للعدالة. هرب لمدينة أخرى وأصبح هو عمدة هذه المدينة، وأهل المدينة لم يكونوا على علم بماضيه. حكم بينهم بالعدل، وأنفق على الفقراء، وواسى المرضى، وأسس مستشفيات ومراكز تعليم، فأحبه شعبه بل واستماتوا في حبه، كل ذلك كان تحت اسم مستعار وهو الأب مادلين. على التوازي مع أحداث الرواية التي تتناول الثورة الفرنسية وتداعياتها والخ، نجد لعبة المطاردة بين فال جان والمفتش جافيير مستمرة، وتتخلل ذلك مواجهات وجها لوجه بينهما، وحوارات عميقة يقف خلالها الخصمان على بعد أمتار من أحدهما الآخر ولكل منهما قناعاته التي تحول بينه وبين خصمه. دائمًا ما يحجم جافيير في اللحظة الأخيرة عن إلقاء القبض على فال جان؛ بسبب أصوات داخله تذكره بحكم فال جان العادل بين رعيته، وبأنه تغير وأصبح أكثر نقاءً من ذي قبل، ولكنه في كل مرة يندم على ترك فال جان يفر منه. بالرغم من أن فال جان استمر في أعماله الخيّرة حتى مات، إلا أن جافيير ظل يصارع ذاته طارحًا السؤال الذي قرأتموه في العنوان بطرق مختلفة في كل مرة: هل يمكن للإنسان المخطئ أن يصبح نقيًّا؟ إلى أي مدى يمكن أن يتخلص الإنسان من شوائب الخطيئة؟ هل من الصواب أن يعفوا المجتمع عن المذنب أم أن ذلك يصنع المزيد من المجرمين؟
إذا ما نظرنا للأمر من زاوية طبيعية فطرية فإننا سنجد أن لكل إنسان نزعة خير ونزعة شر، وما ينمي هاتين النزعتين هو البيئة والمجتمع وطريقة تعامل الإنسان وتعاطيه مع ظروف الحياة المتقلبة.
لكن ماذا لو طغت إحدى النزعتين على الأخرى؟ هل سيعود بالإمكان على الإنسان أن يسيطر عليها؟
أتحدث هنا عن أن تطغى نزعة الخير على الشر أو الشر على خير، ففي كلا الحالتين يكون الإنسان في خطر.
وماذا عن إعطاء المجرم فرصة لإثبات توبته وتحسين سلوكياته؟ هل تجدون أنه خيار يجب أن يُطرح بشكل جدي ويُدرَس؟
التعليقات