رواية ألواح ودسر للكاتب العراقي الدكتور أحمد خيري العمري هي إحدى الروايات التي دائمًا ما أنصح بقراءتها، لاستخدامها أسلوب روائي رائع، في خلط الزمن الحاضر مع الزمن الذي وقعت فيه أحداث دعوة النبي نوح والطوفان، وهذا المزج الزماني كان غرضه الإسقاط.

"قال لهم نوح إن أخبث وأسوأ أنواع القيود والأغلال هي التى لا تُرى، لأن العبد الذي يقيده سيده بالأغلال يعلم أنه عبد، لكن عندما تكون القيود غير مرئية، فإنه لا يعلم أنه عبد، سيظل يتصور نفسه حراً، بينما عقله وإرادته، مقيدة، ويجره بها سيده كما يُجر الكلب... بتلك الأغلال التي لا تُرى"

إن من المعروف أن النبي نوح قاد دعوته كغيره من الأنبياء والرسل، لتحرير الناس من عبادة الأوثان، وتوجيههم ليملكوا أنفسهم وحريتهم، ويعبدون عوضًا عن ذلك إله واحد له القدرة والعلم المطلقان، ورغم كوننا نعيش اليوم في بلدان إسلامية تحررت من الأوثان والأصنام والخرافات إلا أن الكاتب يرى أننا في حالة ضلال كحال قوم نوح، ولكننا نعبد أشياء أخرى غير الأصنام، أو من دون أن نطلق عليها وصف الآلهة.

 العبادة لغةً: هي التذلل والخضوع، ومن هنا ينطلق وصف الاستعباد من أمور أخرى تسيطر علينا ونتذلل ونخضع لما تمليه علينا ولوجودها، رغم أنه لا سلطة حقيقية لها علينا، كما كانت تفعل الأصنام تمامًا، فمثلًا يذكر الكاتب في سياق الرواية، ظهور الكوكاكولا كمشروب، وكيف أصبح المشروب مع الوقت معيارًا مجتمعيًا، كنت أعتقد أن هناك شيء من المبالغة في الطرح رغم اتفاقي مع الفكرة كعموم، حتى شاهدت فيديو وثائقي لمنطقة في المكسيك باتت تستعمل الكوكاكولا كمشروب يترافق مع الطقوس الدينية، ويعتبر شرابًا مقدسًا!

من المثير أيضًا هو التلفاز أو المشهاد الذي سيطر على حياة الناس، وربطهم في فترة ما أمام شاشاته، وباتت دعاياته هي مصدر للمعلومة والحقيقة، وينقاد الناس وراءها طواعية، يصور الكاتب كل هذه الاختراعات والظواهر أنها أصنام وأوثان هذا العصر الذي نعبده دون أدنى دراية عما يحصل من حولنا ومن دون أن نطلق عليها وصف الآلهة، واليوم يتجلى انقيادنا وراء كل "تريند" كالقطعان دون أدنى تفكير أو تدبّر، والسؤال الذي يلمع في ذهني، هل يمكن أن تتساوى فعلًا الأوثان الحديثة مع الأوثان التي كانت معبودة وهي من اختراعنا كذلك؟

ومع دخولنا في رمضان فيوجد الكثير من الأمثلة التي نعبدها وهي من اختراعنا، فما هو المنتج أو الختراع الذي خطر ببالكم أثناء القراءة؟

وهل يمكن للإنسان أن يتحرر من الأغلال التي يصنعها لنفسه ويتذلل لها ؟؟