مَن فينا الذي لا يذكر الجدّ أو الجدّة حين كنّا نتحلق حولهما لنستمع لتلك الحكايات القديمة، ونتعلم منهما مواقف البطولات التي يروونها بقصة أو حكمة؟، ومَن الذي يمكنه أن ينسى كيف كان ظهر الجدّ يحمينا إذا هربنا من والدينا، وقد تفترّ عن فمنا تلك الضحكة الخفية حين نجدهما يوبخان والدينا إن هم ضايقانا؟

ذلك الدور الذي يلعبه الجدان في حياة كلّ واحد منّا هو أمر عرفناه في مجتمعنا العربي الذي يغلب طابع العائلات الممتدة على سكانه، لكنّ الأمر لم يتوقف عند أدوار نعيشها ونشعر بها، بل لقد خضع لدراسات عدّة لمعرفة الأثر النفسي والاجتماعي على دور الأجداد على الأحفاد.

في دراسة نشرتها الدكتورة مريم عبدالله الأخصائية النفسية ومديرة مركز Greater Good Science Center في جامعة كاليفورنيا عن الأثر الذي يتركه السماح للأجداد بتربية أحفادهم، فقد تمت الإشارة إلى أنّ 10% فقط من الأجداد يعيشون مع حفيد لهم في الولايات المتحدة الأمريكية مقارنة بارتفاع النسبة في آسيا وإفريقيا اللتين يعتبر وجود الأجداد أمراً طبيعياً مع أحفادهم.

حيث استشهدت الدكتورة عبدالله بالدراسة البحثية المنشورة للباحثة الصينية (شياوي لي) وزملائها حول دور الأجداد في المجتمع الصيني، حيث بيّنت النتائج بأنّ الأمهات اللواتي يرتبطن بعلاقة قوية مع الأجداد يشعرن بأنهن أكثر فاعلية، وبأنّ أبنائهن يكونون بمستوى كفاءة اجتماعية أعلى، حيث يعزو الباحثون سبب ذلك للخبرة التي يتمتع الأجداد بها والتي تفيد الوالدين في تربيتهم الأولى لأبنائهم.

كما بيّنت الدراسة بأنّ الوالدين اللذين تربطهما علاقة جيدة على صعيد الدور التربوي مع الأجداد يكون أبناؤهم أكثر قدرة على التحكم الفعال بردود أفعالهم، إضافة لانخفاض الخلافات بين الزوجين مما يعني علاقة أفضل مع الأبناء، وبذلك تستشهد (شياوي لي) بمقولة صينية بأنّ كل شئ سيكون على ما يرام حين تكون الأسرة على وئام.

أما في فيتنام فقد تبيّن بأنّ 50% من الأجداد يعيشون مع أحفادهم وذلك وفق دراسة تمّ نشرها من قبل (نام فونغ هوانغ) والتي بيّنت بأنّ الآباء الذين يتمتعون بسبل تواصل منفتحة يميلون لإقامة علاقات تعاون مع الأجداد، ووفق الدراسة فإنّ الأجداد الذين لديهم سيطرة أقل يكونون أكثر انتاجاً في العلاقة مع الآباء والأحفاد الأمر الذي ينعكس على تقليص الخلافات بين الطرفين مما يؤدي لارتقاء في الدور التربوي للأحفاد.

أما مجتمعنا العربي فلم يكن بعيداً أبداً عن الدراسات، فقد أشار البحث الذي قامت (منصورية بوحالة) بنشره بأنّ 96% من أولئك الذين قاموا بإجابة استبانة لدراسة تأثير الأجداد في العائلات الممتدة بأنّ العلاقات جيدة بالأجداد لأن فيهم صفة المربّي والقدوة وأنهم يقدمون الدعم المعنوي والمادي، و %4 علاقاتهم مضطربة بسبب اضطراب العلاقة بين الآباء والأجداد.

كما أنّ الدكتورة ميرنا مزوّق رئيس قسم العلوم الاجتماعية في جامعة الروح القدس تقول بأنّ علاقة الأجداد بالأحفاد مختلفة عن علاقة الآباء بالأبناء، إذ أنّ نوع السُّلطة المرتبطة بين الأجداد بأحفادهم هي سُلطة استشارية عاطفية وغير مباشرة.

حتى أنّ بعض خبراء علم النفس يقولون بأنّ الأبوين يعيشان الأبوة والأمومة مع أطفالهما في حلوها ومُرّها، لكن الأجداد يعيشون الأبوّة والأمومة المتأخرة في حلوها تاركين الجانب المرّ للوالدين!!.

ختاماً، لطالما سمعنا الكثير من الأمثال التي تعبّر عن علاقة الأجداد بالأحفاد ومنها المقولة التي تربينا عليها (ما أعزّ من الولد إلا ولد الولد)، لذلك قد لا نحتاج لدراسات تخبرنا كم ستكون حياتنا مستقرّة ودافئة حين يكون للأجداد مكانتهم ودورهم الفاعل في حياتنا.

باعتقادكم هل ما يزال دور الأجداد فاعلاً بنفس الدرجة التي حظي بها في السابق؟

ومن واقع حياتكم، كيف يؤثر وجود الأجداد في حياة أحفادهم؟ خاصة وأنّ هنالك كثير من الملاحظات التي تدّعي بأنّ الأجداد لا يتركون للآباء حرية تربية أبنائهم بالشكل الذي يرونه مناسباً؟