«أي صوت يصدره ونستون، فوق مستوى الهمس المنخفض للغاية ستلتقطه شاشة الرصد، علاوة على ذلك، طالما بقي في مجال الرؤية الذي تسيطر عليه اللوحة المعدنية، يمكن رؤيته أيضًا.»

هذا ما كتبه العبقري «جورج أورويل» في رائعته ديستوبية الطابع «1984» والذي كتبها في عام 1949 وتحكي عن مستقبل تسيطر في سلطة استبدادية وعالم لا يهدأ فيه أبدًا صوت قرع طبول الحرب، وتتعدد فيه الطرق التي تُمَكِن الأنظمة الشمولية والدولة القمعية من التحكم بالشعوب بقبضة من الحديد والنار.

وكان هذا الوصف يخص «شاشات الرصد» التي انتشرت في كل غرفة خاصة، وفي كل مساحة عامة، ورافقتنا حتى آخر صفحة من الكتاب. وكان الحزب المُسيطر يستخدم تلك الشاشات في نقل الرسائل للعامة، ومراقبة النشاط المدني، فكانت تسجل الأصواتـ وتتعرف على الوجوه، وحتى تراقب تعابير الوجه لتحدد مدى انضباط المرء وولائه للحزب. فكان يقول عنها «أورويل» في الرواية: «كان عليك أن تعيش بحكم العادة التي تحولت إلى غريزة مفترضًا أن كل صوت يصدر عنك مسموع وأن كل حركة مرصودة.»

ولكن ألا يذكرنا هذا بشيء؟ فـ«أورويل» قام بتصوير المستقبل المظلم حيث توجد التكنولوجيا كأداة للسيطرة على الشعوب، وعلى الرغم من أن العمل كان خيالي، إلا أنه بعض الأشياء التي تنبأ بها قد تحققت بالفعل بعد أكثر من 70 عامًا من كتابة الرواية.

فعلى سبيل المثال، نشرت صحيفة «إنسايدر» الأمريكية تقريرًا قالت فيه إن الشركات الصينية تستخدم تقنية مماثلة لمراقبة وتعقب شعب الإيغور، فهي عبارة عن شاشات وكاميرات مزودة ببرمجيات تمكنهم من التعرف على الوجه بدقة كبيرة ومراقبتهم في كل لحظة.

وبعيدًا عن هذا، فنحن محاطين بشاشات الرصد على نحو يفوق حتى ما تخيله «أورويل»، فهي لم تعد جزء من حياتنا، إنها حياتنا كلها، فأصبحت داخل بيوتنا، وانكمشت لتأخذ شكل الهاتف، وأصبحنا نحملها معنا في كل مكان نذهب إليه، ونفعل هذا بطيب خاطر أيضًا، بل ونبدي استعدادًا للتنازل عن بياناتنا الشخصية لمصلحة الشركات التي تغذي حاجتنا للتواصل. فعلى عكس ما توقعه «أورويل»، هل تعتقد أننا من سمحنا للأخ الكبير بأن يراقبنا وأعطيناه كامل الصلاحيات لفعل ذلك بكل أريحية؟

الأكيد إن رواية «1984» هي أحد أهم الأعمال الأدبية وهي مستمرة في التجدد عبر الواقع الذي نعيشه الآن، وأن الأوضاع التي حكى عنها «أورويل» بوصفها خيالًا لتصوير كابوسية العالم نكتشف عن وجودها حولنا بأشكال وصور متعددة.