الإنسان لا يُسأل من هو؟ بل كيف أصبح ما هو عليه؟

لأنّ السؤال عن الماهية يُفترض فيه أن الكينونة استقرّت،

بينما الإنسان كائن في حالة دائمة من التشكّل، لا في وجودٍ مكتملٍ يمكن القبض عليه.

إنّه المفارقة التي تفكر، والظلال التي تبحث عن ضوءٍ لا تعرف مصدره.

منذ أن وعى الإنسان ذاته، بدأ فقدانه لها.

فالوعي الذي يجعلنا ندرك أننا موجودون، هو ذاته الذي يُذكّرنا بأننا زائلون.

نحن نعيش بين قطبين متنافرين:

حاجةٌ للبقاء، ووعيٌ بالعدم،

رغبةٌ في الامتلاك، وخوفٌ من الفناء.

هذه الثنائية هي التي تصنع إنسانيتنا، لكنها أيضًا ما ينهكها.

الإنسان ليس جوهرًا ثابتًا كما ظنّ أرسطو،

ولا كائنًا حرًّا مطلقًا كما بشّر سارتر،

بل هو كائن يتأرجح بين الضرورة والاختيار،

بين اندفاع الغريزة وانكسار الوعي،

بين أن يكون صانعًا للمعنى، أو عبدًا لمعناه.

كلّما حاول أن يعرّف نفسه، أضاعها في اللغة،

لأن الكلمة التي تصفه تصبح سجنه الجديد.

هو الكائن الذي يخلق الجمال من خوفه،

ويزرع الأمل في تربة الفقد،

ويكتب القصائد ليقنع نفسه أنه ما زال قادرًا على الحلم.

في العلم يُعرّفونه بأنّه كائنٌ عاقل،

وفي الفلسفة بأنه وعيٌ بالوجود،

أمّا في الحقيقة فهو الكائن الذي يعيش بين العقل والهاوية،

بين الإيمان بالمعنى، والشكّ في جدواه.

إنّه مشروع مفتوح،

لا يكتمل إلا حين يختفي،

ولا يدرك كماله إلا في لحظة ضعفه.

لذلك، لا يمكننا أن نُعرّف الإنسان إلا بهذه الجملة البسيطة:

الإنسان هو الكائن الذي يبحث عن ذاته… في كلّ شيءٍ إلا نفسه.

وما دام يبحث، سيبقى ناقصًا،

وما دام ناقصًا، سيبقى إنسانًا.