ما جواب مشكلة وجود الشر والمعاناة في هذا الكون عن وجه منطقي وعلمي؟ خصوصاً ما مقصد مصيبات الحياة؟
تخيّل لو كنت صانع لعبة فيديو وعرفت أن الشخصيات الذين صنعتهم يعانون وهم في ضيق فما وجه معاناتهم وأنت تستطيع أن تقرهم في السكون والأمان.
لن أدّعي كالكثيرين من الناس حين ورود هذا السؤال بأنهم لديهم إجابة أكيدة وفورية، الموضوع صعب ومحيّر وفيه من الشكوك الكثير إذا ما قسناه بالمنطق ولكن الشكرلله أن هذا الأمر نقيسه بالكتب المقدّسة. بالعموم وبعيداً عن الكلام الديني المعروف في هذا السياق أريد أن أحدثك عن رأيي بالمسألة وهي أنني لا أرى إلى هذه اللحظة آلام البشرية تأتي على هيئة حقيقة فعلاً، قد يبدو غريباً جوابي ولكن أنا أرى الحياة حالياً بمرحلة وعيي هذا من منظور وهم ليس إلا، تماماً كما لو أنني بلعبة فيديو كما قلت، بلعبة بلايستيشن، هل تتألم الشخصيات بالبلايستيشن؟ نعم. هل ألمها حقيقي؟ أكيد لا. وهذا بالضبط ما أشعر به وإن بدا للغير أمر بالغ الشطحة وغير قابل للتصديق ولكنني أرى الحياة على هذه الشاكلة، حتى طريقة موتنا وتركنا للعالم بعد ما نبني فيه تؤكد بأننا نعيش وهم غير مهم وبأن ما هو آخر أهم وأبقى بكثير مما نعيش حالياً من سلسلة من المؤثرات المؤلمة والمفرحة التي أتت فقط لكي تختبرنا بمشاعرنا وسلوكياتنا.
عظيم جوابٍ ذي غور وعمق. ونتيجة الفكر في الموضوع مزيد سؤالات. مثلاً بالفرض الواقع مثل خيال أو غير حقيقي, فما سبب تجربتنا له حقيقياً؟ وبالفرض ضرورة المعاناة بوجه ترقي البشر فما سبب قاعدة الوجود هذه؟
بالفرض سائر مصيبات الحياة مقابل ما وراءها خفيفة، هل قبول هذه الفكرة من طرفنا سبب تسليمنا للقدر وغفلة وجوب إصلاح سيئ حالات؟
وغالباً الجواب أمر غيب خارج المنطق في الحال لكن مقصد سؤالي اطمئنان دماغي ودماغ غيري.
رغم اعتراضي الشديد على صيغة الطرح والتشبيه المتدني لكن على كل حال سأذكر لك الجواب.
في تجربة في ستينات القرن الماضي تم وضع مجموعة فئران في بيئة مثالية بلا خطر أو مشاكل وفي جو مناسب وحقل ممتلئ بالطعام، وهذا تقريباً ما ترغب به أنت من حيث المثالية والحياة الخالية من المشاكل، وأي شخص سطحي سيقول أن حياة هذه الفئران ستكون سعيدة للغاية، ولكن بعد ثلاثة شهور من التجربة وبعد الإنجاب والتأقلم بدأ العلماء يرصدون تصاعد في سلوك العنف حتى قتل كل الفئران بعضهم البعض، الشئ إذا ذاد عن حده انقلب لضده وهذا ما سيحدث لو كانت الحياة مثالية وجميلة.
رغم اعتراضي الشديد على صيغة الطرح والتشبيه المتدني لكن على كل حال سأذكر لك الجواب.
هذا ليس تشبيه متدني هذه معضلة فلسفية ودينية بالفعل وهذا اسمها "مشكلة الشر" فليس في الأمر ما يجعل العنوان وتشبيه صاحب المشاركة متدني، فهو يطرح وجهة نظر وسؤال جال بخاطره، فمهما كان السؤال بالنسبة لك غير مقبول أو أي شيء، ولكن لا يوجد ضرورة لقول (متدني وأي شخص سطحي ) فهذه أفكار وأسئلة تمر علينا في مراحل حياتنا ومن المنطقي أن لا نجد إجابة لها في أول الأمر لهذا نستفسر ونسأل.
سألت مثله لشيخي يا حمدي وجاء الرد بصفة جعلتني أسمع صوت الصفير في اذني، ثم قال تأدب عندما تسأل أو تفكر، وبالمناسبة كان سؤالي عن نفس هذا الأمر، وأكثر من شيخ عاب على صيغة السؤال وقال أنه حتى باسم الفلسفة لا يجب أن يكون كذلك.
سألت مثله لشيخي يا حمدي وجاء الرد بصفة جعلتني أسمع صوت الصفير في اذني، ثم قال تأدب عندما تسأل أو تفكر،
ولكن هذا رد فعل مبالغ فيه وليس فيه من الدين والتأدب، فالله كرمنا ورسولنا لم يصفع أحد على وجه لأن هذه إهانة، ولو تم التعامل مع الأسئلة المطروحة بهذه الطريقة فسينفر الناس من الأسئلة ، فمن حقنا أن نسأل ومن حقنا أن يتم الإجابة علينا ولكن بطريقة سهلة ولينة وليس هكذا، ولو حدث هذا معنا كما تقول في تجربتك، فلا يمكن أن ننقل نفس الطريقة إلى غيرنا ونقلل من أفكاره ونستخف بها، فربما بسبب التقليل هذا ينفر الشخص مننا وبالتالي نحن لا نفيده بقدر ما نضره.
إذا ما أعجبك السؤال فهل ترفض التوسع في أمور فلسفية كافة؟ أما جوابك فشكرا على المساهمة ومثل الفئران. أفهم منها الفكرة أن دون اختلاف الأحوال، تصبح الكائنات الحية متأقلمة بيئاتهم حيث تضيع مقصدهم للحياة نفسها. لكني أتساءل هل هناك ضرورة هذه القاعدة؟ حيث صانع لعبة (رغم رفضك هذا المثل) يمكنه أن يقيم قواعد اللعبة كما يشاء. فهو الذي يكتب الكود ويقرر الأهداف للعبته. أم هل هذه القاعدة مستقرة وموجودة في أي لعبة أو محاكاة افتراضية، أن التغييرات في المحاكاة حتماً تضرّ وتقلق الشخصيات الوعاة الذين يجربون ويعيشون المحاكاة؟ والسؤال هو الذي يجدر الفكر والتعريف حيث يعالج الوعي والوجود وحقيقة التجربة الإنسانية.
ومع كل هذا، نرجع إلى مسألة وجود الشر. وجود أمراض مثل السرطان وعيوب جينية غالباً تكون هذه المصيبات بلا سبب معين أي لم يرتكب أي ذنب أو جناية الذي يعاني من هذه الأمراض. ففي مثل الفئران كان القتل نتيجة أفعال الفئران دون النظر إلى قدرة التخير لدى الفئران. لكن بعض أشياء لا سبب ولا وجه لها. وفي هذه الأحوال هلّا نبحث عن جواب يشرح لنا الحقيقة؟
لا أعرف أن أجيب بشكل منطقي بعيداً عن عقيدتي, بالرغم من اعتراضي على هذا التشبيه أنك صانع لعبة لماذا تترك شخصية تعاني وأنت تقدر على إنقاذه !! فهذا التشبيه لا يجوز من وجهة نظري - تنزه الله- عن هذا, أما ردي فهو أن الله خلق الموت والحياة لنختار من الأحسن عملاً, أي إننا مخيرين لاتباع الشر أم الخير وهو ما سيحدد مصيرك الأبدي, إذاً فالشر هو فتنة من الذي سيتبع الشر ويصبح ظالم وشرير ومن الذي سيتضرر بهذا الشر ويصبر ويقاوم ويستحضر قدرة الله, ومن الذي سييأس ويقول لماذا لا ينقذني الله !!
هذه هي الدنيا فهي ليست عادلة
هذا سؤال فلسفي وديني عميق يشغل الكثيرين. دعني أقدم بعض الأفكار من منظور منطقي وعلمي، مع الاعتراف بأن هذه المسألة معقدة وليس لها إجابة بسيطة:
1. التطور والتكيف:
من الناحية العلمية، يمكن النظر إلى المعاناة كجزء من عملية التطور. التحديات والصعوبات تدفع الكائنات الحية للتكيف والتطور. بدون ضغوط البيئة والمنافسة، قد لا يحدث تقدم.
2. النسبية والإدراك:
ما نعتبره "شراً" أو "معاناة" هو في كثير من الأحيان نسبي. فما قد يبدو سلبياً على المدى القصير قد يكون له نتائج إيجابية على المدى الطويل.
3. التوازن البيئي:
بعض ما نراه "شراً" (مثل الموت والمرض) قد يكون ضرورياً للحفاظ على التوازن البيئي والتنوع البيولوجي.
4. التعلم والنمو الشخصي:
المصاعب غالباً ما تكون فرصاً للتعلم والنمو الشخصي. من خلال مواجهة التحديات، نطور مهارات جديدة ونصبح أكثر مرونة.
5. الحرية والاختيار:
في سياق الإرادة الحرة، يمكن النظر إلى وجود الشر كنتيجة لحرية الاختيار. بدون إمكانية اتخاذ قرارات سيئة، لا يمكن أن تكون هناك حرية حقيقية.
6. الوعي بالذات والآخرين:
المعاناة قد تكون ضرورية لتطوير التعاطف والوعي بالذات والآخرين. بدونها، قد لا نطور فهماً عميقاً للحياة والعلاقات الإنسانية.
7. الدافع للتقدم:
من منظور تاريخي، كثيراً ما كانت المعاناة والتحديات دوافع للابتكار والتقدم العلمي والاجتماعي.
بالنسبة لمثال لعبة الفيديو:
1. القيمة من التجربة:
لو كانت الشخصيات في سكون دائم، فقد تفقد اللعبة قيمتها وهدفها. التحديات والصراعات هي ما يجعل اللعبة مثيرة للاهتمام وذات مغزى.
2. النمو والتطور:
المعاناة في اللعبة قد تكون ضرورية لنمو الشخصيات وتطورها، مما يجعل تجربة اللعب أكثر إرضاءً.
3. الهدف والمعنى:
بدون تحديات، قد لا يكون هناك هدف أو معنى للعبة. المعاناة والصراع يخلقان سياقاً للإنجاز والنصر.
في النهاية، من المهم الاعتراف بأن هذه المسألة تظل موضوع نقاش فلسفي وديني مستمر. ما قدمته هو محاولة لفهم المسألة من زوايا مختلفة، ولكن الإجابات النهائية قد تختلف باختلاف المعتقدات والفلسفات الشخصية.
التعليقات