كشاب يحترق فؤاده كل يوم من هول ما تراه من تعذيب ووحشية بحق الكثير منا، لابد أن تكون قد سألت نفسك ذات يوم، أي أيديولوجيا هذه التي قد تدفع شخص لأن يضع رصاصة في قلب شخص آخر وأي دافع يمكن أن يقود شخص لأن يدهس طفلا بدبابة، أو أن يفجر حيا سكنيا؟ هل البشر كائنات شريرة لهذه الدرجة؟
لقد تساءلت الفلسفات لقرون طويلة عن حقيقة الشر ومدى تأصلها في النفس البشرية، وبين من يقول بأن الشر متجذر في الإنسانية منذ الخطيئة الأولى لأبونا آدم وبين من يقول بأن أصل البشرية خير وأن الشر مجرد عارض أو حالة نادرة، ظهرت رأي مختلف تتبناه الفيلسوفة الألمانية من أصول يهودية حنة أرندت، التي تقول بأن الشر هو طبيعة إنسانية لكنه سطحي وتافه، وهو منفصل تماما عن الأيديولوجيا أو الفكر المعقد والعميق أو قناعات راسخة لفعله، ومن هنا تأتي خطورته الحقيقية عكس الخير الذي ينطلق من ايمان راسخ ونية حقيقية.
قصة ارندت مع الشر انطلقت منذ طفولتها، فقد كانت تنحدر من عائلة يهودية تعرضت للتعذيب في المعسكرات النازية واكتوت بنار الهولوكوست، لكنها استطاعت الفرار الى الولايات المتحدة، وأكملت حياتها هناك، توصلت ارندت من خلال دراستها لحالة ضابط يدعى آيخمان ريتشارد بأن حتى أعنف الأشخاص وأكثرهم شرا على الإطلاق ليسوا أشرارا بالفعل كيف ذلك؟
تقول بأن المجرمين والأشرار أمثال أيخمان وغيره من القتلة والطغاة، هم أشخاص تافهون لا أكثر، فهم مجرد أشخاص يقومون بتنفيذ الأوامر المطلوبة منهم دون أي تفكير أو وعي أو نقد، فهم يتبعون مصالحهم الخاصة لا أكثر دون أن يكترثوا بنتائج أفعالهم ، فهم على استعداد لفعل أي شيء في سبيل غاياتهم، وأيخمان ككل الموظفين يفعل نا يفعله من أعمال إجرامية وتقتيل وتعذيب ليس من أجل أيديولوجيا خاصة ، بل للحفاظ على منصبه في الجيش لا أكثر.
إذا طبقنا نظرية أرندت في الشر يمكن أن نفهم سبب كل المشاكل الموجودة في العالم، فالشرير هو مجرد شخص تافه لا قدرة له على تحرير عقله والمجازفة بالتفكير في حلول بديلة، فالشخص الذي يقاتل يعرف جيدا بأن الأرض ليست أرضه ولا حق له فيها، ويعلم جيدا بأنه حلقة في سلسلة ظلم لا إنساني لكنه يستمر في فعله، لأنه ينتظر الامتيازات التي تعطيها الدولة له ولعائلته في بلده، إذا أخذنا تجربة الجنود النفسية من زاوية تاريخية نجد الدراسات التي تتحدث عن الجنود الناجين من حرب الفيتنام مثلا، كلهم يعانون من تشوهات نفسية تصل إلى انتحار فئة كبيرة منهم بسبب إدراكهم للأفعال الوحشية التي يقومون بها، لكنهم مجبرون على فعلها لتحقيق غاية ما، قد تكون تحقيق راتب، أو حماية عائلاتهم واعالتها من طرف الدولة وهكذا.
وأنتم مارأيكم في الشر؟ هل هو أصل في الطبيعة الإنسانية أم مجرد عارض؟ هل تعتقدون أن حنة أرندت محقة في رأيها؟ كيف يمكن أن ننقد نظرية ارندت للوصول الى أسباب أعمق للشر؟
التعليقات