"لا يمكن وجود حضارة بلا جنون".. لكن ما هو الجنون؟.. وكيف يتم تشخيصه؟.. وهل هو خلل عقلي، أم إجتماعي؟!
تلك الأسئلة مجتمعة، وجدتها تدور بعقلي دون توقف، منذ اطلعت على آراء الفيلسوف الفرنسي ميشيل فوكو حول الجنون، والتي أوردها بكتابه الصادر عام 1961، بعنوان "الحضارة والجنون: تاريخ الجنون في العصر الكلاسيكي"
ومن خلاله يدرس فوكو تاريخ خطاب الجنون في الحضارة الأوروبية، ويشير إلى أن المسألة منذ البداية ليست طبية، بقدر ماهي فكرية ثقافية؛ فالجنون بحسب ما توصل إليه ببحثه التاريخي، هو أقرب ما يكون إلى ظاهرة نسبية اجتماعية متغيرة... ولذلك غالبا ما عُرّف "الجنون" بأنه الخروج على الأعراف والقواعد الاجتماعية.. إذن فالحد الفاصل بين الجنون والعقل هو معيار القيم الاجتماعية..
ومن ثم فالجنون وصف اعتباري نسبي، وبالتالي فإن تغير تلك القيم الإجتماعية "المعيارية"، سيعني تغيرا في حد الجنون ووصفه!
فقد يكون جنون في زمان ما ليس جنونا في زمان آخر، وكذلك الشخص المجنون بمجتمع ما، قد يعتبر عبقري بمجتمع آخر!!
وبعد ما يحدد كل مجتمع مواصفات مجانينه، وفقا لمعاييره الخاصة، يأتي وقت التعامل معهم.. وهنا يعرض فوكو لتاريخ تعامل المجتمعات الأوروبية مع تلك الفئة..
بداية من سفن المجانين أو الحمقى، التي ظهرت في القرن الخامس عشر للتخلص من المنبوذين اجتماعيا، بإرسالهم بعيدا على متن سفينة تجوب الأنهار الأوروبية، دون قبطان!
مرورا باحتجازهم، داخل مؤسسات العزل التي أُنشئت من قبل لعزل مصابي الجذام.. إلى أن بدأ يظهر أخيرا، في القرن التاسع عشر مصطلح" المرض العقلي"، وتغير معه طريقة التشخيص والعلاج كذلك.
ختاما، وبعد الإطلاع على كل ما سبق، لا يسعني إلا أن أتسائل من جديد..
الآن ونحن بالقرن الحادي والعشرين، هل مازال الجنون أمر نسبي؟ وبرأيكم هل هو خلل بالوظائف العقلية، أم بالممارسات الاجتماعية؟ وهل يوجد مقياس محدد لمعرفة ذلك؟
التعليقات