من بين أهم الكتب التي وقعت عليها في السنوات اللأخيرة كتاب الفيلسوف الفرنسي جيل ليبوفيسكي : " أفول الواجب" وهو كتاب يناقش بحدة واضحة التوجه الأخلاقي للمجتمعات المعاصرة التي تتأرجح بين خطابين هما: خطاب إحياء الأخلاق القديمة من ناحية، وخطابات الانحلال والانحطاط الأخلاقي من ناحية أخرى، واصفا حالة الغليان الأخلاقي كرد فعل على الانهيار السلوكي والمفهومي للأخلاق في ظل العبث الرأسمالي، والكتاب على ما يبدو هو محاكاة وامتداد لكتاب فريديريك نيتشه، أفول الأصنام، لكن ما يلفت نظر أي قارئ لنيتشه سوف يلاحظ أن المشكلة ربما بدأت معه.

لقد حرض نيتشه على قتل كل الأخلاقيات القديمة خصوصا، أخلاق المسيحية واليونان القديمة، وعمل على إعادة رسم مفهوم جديد للأخلاق وهي الأخلاق النقدية القائمة على مفهوم القوة والإرادة الحرة، عكس الأخلاق القديمة القائمة على الاتباع الأعمى والضعف والتقبل غير المدروس،ما فعله نيتشه كان تطويرا ودراسة لما سماه بجينيالوجيا الأخلاق، شكل منعطف كبير في تاريخ الاخلاق كلها، لتظهر واحدة من الأسئلة الكبرى في الفلسفة الأخلاقية الحديثة وهي، ماهي الأخلاقية الواقعية؟ وهل تصلح كأساس وجودي موضوعي للأخلاق؟ وهل بالفعل هي واقعية أم لا؟

ترى الواقعية الأخلاقية أن هناك وجود لحقائق أخلاقية ثابتة، لأنها موجودة بشكل موضوعي منفصلة بذاتها عن الأشياء الأخرى، فهي لا تتأثر بأحكامنا الذاتية او التغير القيمي من مجتمع لأخر، فالسرقة شر في أي مكان وزمان، في حين أن اللاواقعية الاأخلاقية او الأخلاق النسبية فيرى أصحابها أن الأخلاق ليست لها وجود موضوعي مستقل بل هي محكومة بالحقائق الأخلاقية التي يعتقد بها كل فرد ومجتمع، وهي نتيجة الآراء والتراكمات المعرفية والأعراف والنزوع الفكري والثقافي للأفراد، ولعل هذه واحدة من أهم المدارس التي ساهمت في فهم تحرري للأخلاق، ووجدها اللكثيرون شماعة لتبرير أطماعهم وسلوكاتهم غير المقبولة، ونقصد هنا الأنظمة اللبرالية التي حلت كل المفاهيم الأخلاقية وحولتها لخدمة مصالحها الخاصة لزيادة السلطة والتوسع والربح، فأصبحت كل الافعال مبررة بالربح والمال والنجاح.

في رأيك هل ماهي الأخلاق ؟ هل هي أحكام مطلقة متعالية موضوعية أم أنها نسبية متغيرة لا تحتكم الى معيار واحد؟ هل تعتبر أن الأخلاق اللبرالية المستغلة أخلاقا جديدة؟ أم أنها اللاأخلاق؟