قبل ستة سنوات قليلا أو كثيرا ربما، فقدت واحدة من أعز الأشخاص في حياتي، خالتي الصغيرة وصديقتي الأولى، لم تمت بسبب المرض فقط بل أظنها ماتت بسبب التهاون، لقد أصيبت بمرض في المرارة لكن لسبب ما تجاهلت العلاج إلى أن تمكن منها المرض وتوفيت، من وقتها سُكنت بفكرة العودة للماضي، هل من سفينة تمكنني من السفر عبر الزمن والتاريخ لكي نعود من جديد ونصحح هذا التجاهل؟ هل يمكن أن نغير الماضي لو رجعنا إليه أصلا؟ كيف يمكننا أن نتحرك بين الماضي والمستقبل ونخلق اختياراتنا الخاصة؟.

في كتابه المثير للجدل : "الإنسان الإله تاريخ موجز للمستقبل"، يقول المفكر والمؤرخ نوح يوفال هراري بأن المستقبل هو قصصنا من الماضي وعلينا ان نتذكرها على أنها أدوات نحتاجها لبناء مجتمعاتنا وأنفسنا بالصورة التي نريدها، ويجب أن لا نسمح لهذه القصص باستعبادنا، بل يجب أن نجعلها وسائل للانتقال السلس نحو آفاق أنفسنا الجديدة ومآربنا.

هراري يعتقد بأن الحقيقة موجودة في المستقبل وليس في الماضي وأن علينا التركيز عليه بدل من البكاء على الماضي، وإن كان من طريقة لتغيير الماضي على الحقيقة فهو تغيير المستقبل، لأن المستقبل هو الزمن المتبقي الممكن التحكم فيه من ناحية ومن ناحية أخرى لا يمكن للمستقبل أن يكون إلا تراكمات وتتباع أحداث من الماضي، وأي تغيير للماضي سوف يغير وجه المستقبل لا محالة، لكن كيف نغيره؟

هناك رأي خطير جدا للفيلسوف مارتن هايدغر في كتابه الزمان وهي أن الزمن واحد من حيث المبدأ ولا يوجد هذا الفصل بين الماض والحاضر والمستقبل، إنما يوجد الدازاين DASEIN فقط، أي الوجود هنا، وهي الفكرة التي سيؤكدها العلم لاحقا، بناء على كلية الزمن سنجد بأن الزمن ليس مراحل كما نعتقد بل هو وحدات مترابطة ، وأي تأثير على واحدة منها يؤثر على الأخرى.

يمكن فعلا تغيير الماضي عن طريق دراسة المستقبل وتدارك أخطاءه وحل مشاكله المحتملة قبل وقوعها، فإذا اعتبرنا أن الماضي هو مجتمعاتنا الإسلامية في عصر النهضة مثلا والمستقبل هو الآن، ماذا كنا لنغير اليوم حتى يكون ذلك الوقت جيدا؟ لنبسطها أكثر، إذا اعتبرنا أن المستقبل 2050 والماضي هو الآن ، إذا أردنا أن نغير وضعنا في الآن أي الماضي فعلينا أن نسأل ماهي 2050 التي نريدها؟ ماهي المشاكل التي لا يجب أن تكون هنا؟ ماهي الصورة التي نحتاج أن نراها هناك؟ إذا اشتغلنا على هذه الأسئلة يمكننا أن تغيير الماضي فعلا، لأننا سنقوم التغييرات في الوحدات الصغيرة التي تمكننا من الوصول للصورة التي نريد، لذلك يعتقد علماء المستقبليات أن دراسة المستقبل أهم بكثر وأكثر إلحاحا من دراسة الماضي وأن التاريخ الحقيقي هو المستقبل وليس الماضي حسب هراري نفسه.

في رايك هل يمكن أن يفيدنا هذا النوع من التحليل فعلا في فهم طريقة تغيير أنفسنا؟ هل يمكن تحقيق معادلة التغيير بهذه السهولة فعلا أم أن الأمر أعقد من ذلك؟