تذكر معي أخر مرة ركدت فيها لصديقك المقرب تشكيه خذلان الحبيب؛ أو آخر مرة اشتهيت فيها قطعة بيتزا زكية، من اشتهيت أن يشاركك فيها؟ فكر في شخص يمكنك أن ترن عليه على الساعة الثانية فجرا دون أن تفكر او تحرج؟ لابد أن إسما ما قد لمع في رأسك الآن هاه، إنه صديقك الأقرب أليس كذلك؟ لكن من هو هذا الكائن العجيب؟ ما معنى أن يكون المرء صديقا؟ هل تقال الصداقة بمعنى واحد أو أكثر من معنى؟
حسنا، فلسفيا الصداقة هي طريقة في الحب، معنى أن تكون صديقا هو أن تكون مُحبا عن قصد قبل أن تكون محبوبا، أي أن تعطي الفعل قبل أن تقبل بالمحبة من الأخر، فالصديق هو من يُحب قبل أن يكون محبوبا حتى قبل أن يعرف معنى الحب نفسه، لكون حب الصداقة سابق على المعرفة-أي ماهية هذا الحب وسببه- وسابق على انتظار الحب من الآخر، فلا يكون المحبوب والمحب على معرفة السبب، والأغــــــرب من ذلك أن الصداقة مع كونها مجازفة بالحب، هي أيضا تواطؤ على الاختلاف واتفاق على الاختلاف وقبول الصديق بمعرفة مسبقة بأنه مغاير حد التناقض ربما، فعلى العكس مما نعتقد بأن الصديق هو الشبيه لنا، نجد بأن الصديق هو المختلف عنا، فتجد أحب صديقين أحدهما طويل والأخر قصير، أو سمين ونحيل، أو ثرثار وكتوم...إلخ .
لكن لماذا علينا أن يحب غريبا مغايرا أصلا؟ وما هذه القوة الرهيبة التي يجعلنا نهرب إلى الصديق من خلاذن الحبيب؟ هذا لشخص الذي لا نجد في أنفسنا حاجة للفت انتباهه وأن فتنه ونعري أنفسنا ونفضح عيوبنا أمامه ونعيش كامل ضعفنا بكل قوتنا؟
ببساطة لأن العالم ملييء بالقبح فنحن نحتاج أن نختار هذه العلاقة التي تشبه المعجزة وأن نجازف بتصديقها- رغم أنها قد تحمل لنا خيبات كبيرة في كثير من الأحيان- والثقة في الآخر رغم النتيجة، من جهة والمجازف بالتجربة العملية لأنه من مجال الحدس الذي لا تفيدنا فيه التنظيرات، بل هي خاضعة لمجال المعاش فهي تمارس ولا تقال ولا تُنظر ولا تُقاس.
لكن متى تكون الصداقة الفعلية؟ يظن أرسطو كأهم من نظر لمسألة الصداقة بأن الصداقة لا تكون إلا بين الناس الفضلاء الذين يتمنون الخير لبعضهم، في الوقت الذي اعتبر أستاذه أفلاطون أنها اجتماع المتناقضين لكن المتكاملين، أما سبينوزا فيرى أنها ممكنه فقط بين الأحرار الخيرين، بينما يعتقد كانط أنها حالة البشر المثالية التي تتجلى في القانون الأخلاقي الإنساني والضمير.
إذن برأيك ماهي الصداقة؟ هل هنالك فرق بينها و بين الحب والصداقة؟الصداقة؟ هل حقا تعتبر صداقات وسائل التواصل صداقات حقيقية؟
التعليقات