اثناء ذهابي للمدرسة لأداء الخدمة العامة ، أشاهد التلاميذ علي غير العادة التي تعودت عليها في الصغر ،لقد كنا نحترم المعلم وننفذ ما يقوله لاننا نعلم جيداً ان "من علمني حرفاً صرت له عبدا " ولكن علي غير المتوقع أن أسمع ما يقولوه التلاميذ عن معلميهم فإنهم يعيبون معلميهم ولا يلتزمون الصمت اثناء جلوسهم في الفصل مع المعلم ، فما سبب ذلك؟
ما سبب ضياع هيبة المعلم؟
الاحترام لا يعني الانصياع التام الذي تشيرين إليه، بالعكس، أرى أن من دلائل نجاح المُعلم قدرته على إدارة حوار تختلف فيه وجهات النظر دون أن يخاف الطلاب من إبداء آرائهم خوفًا من معلمهم.
أضيف إلى ذلك إلى أن هيبة المُعلم لم تذهب إلى أي مكان، الطلاب هُم هُم، ولكن المُعلم ذاته هو من أخل بالميزان بعدم قيامه بواجبه بالشكل المطلوب، الطلاب على اختلاف أعمارهم قادرون على الحُكم على قدرة المُعلم في التدريس أفضل من أي مُشرف أكاديمي، ولكن باستخفاف المُعلم بأهمية المهنة أو عدم قدرته على أداء المطلوب -ربما لإنه منهك ماديًا أو نفسيًا- سيؤدي إلى إنتشار الفوضى واستخفاف الطلاب بالمادة والمعلم نفسه.
دعيني أضيف لك شيء آخر،..الصمت في الفصل ليس موازيًا للاحترام بل الخوف.
بداية عملي، حضر المدير حصة تقييم، أول تعليق له كان "ولكن، أين الفوضى؟" لذلك أصبحت أشجع الفوضى/التفاعل لإن التعليم لا يتمّ إلا هكذا.
المشكلة انك مدرسة لذا لا استطيع تكذيبك
لكن المدارس في بلدي فوضى كبيرة
لا احترام للمدرسين
اساءات كبيرة و هم لا حول لهم و لا قولة
لا يستطيع المعلم فعل شيء
حتى الضرب لم يعد حلا
و الحوار اصبح لديهم يعبر عن الضعف
كذلك الأمر هنا، كما سبق وقلت..هناك عامل مهم في هذا الإنحطاط وليس له علاقة بالطلاب، العامل المادي والمعنوي وتهميش المعلم من الإداريين يجعل من الكثير منهم يردُّون بالإستخفاف بالمهنة فلا هم يبذلون جهدًا ولا هم يحزنون، والطلاب أذكياء يردُّون بالمثل أيضًا عندما يشعروا أن من أمامهم لا يأبه بهم.
لكل حالة طريقة علاج مناسبة، قد تنجح بالوصول للطالب من الأسبوع الأول وقد يلزم عدة شهور.
و لو اني مدرس ايضا و لكن لا اشعر بالفضل لمجرد كوني مدرس!
المعلم حاله حال غيره يقوم بواجبه الوظيفي.
لابد وانك شخصية متواضعة. انا اكبد بالفعل دور المدرس. انت تستطيع ان تبني في نفوس طلابك تلك الرغبة باحداث اثر حقيقي.
ذكرتني ببروفيسور احتفلنا بميلاده الثمانين. كان مؤتمرا علميا، جميع المحاضرون فيه هم اعلام في محالاتهم. وهم كانوا طلاب هذا البروفيسور. قضيت المؤتمر ناظرا لملامحه التي يسودها الرضى والسعادة.
المدرس يراى في الطالب ما لا يراه الطالب ذاته. يؤمن بقدراته ويزرع الامل مع الارشاد ليحوله لجوهرة لامعة. من يحظى باستاذ كذلك يكون من المسعدين في الدنيا
شاهدت نفس المشكلة كذلك. أعتقد أن احترام الأجيال السابقة لمعلميهم كان نابعًا من خوفهم من العقاب البدني وليس "احتراما" حقيقيا. اليوم ومع غياب العقاب البدني ومنعه -وهو ما أتفق تماما عليه- ظهرت إلى السطح المشكلات التربوية ومصدرها الأساسي البيت، ومشكلات الإدارة المدرسية.
الكثير من الطلاب لا يكتسبون العادات الحسنة التي يتطلّبها احترام الآخر في منازلهم، إضافة إلى المعايير الاجتماعية السلبية لشعبية الطلاب والتي تتحدّد بمدى كونهم "مخالفين للأنظمة" و"غير ملتزمين".
شخصيا لا مشكلة لدي في الحديث والاستماع داخل الصف حسب متطلّبات الدرس ولا أطالب الطالبات بالجلوس صامتات تماما طيلة فترة الدرس. ولكنني في ذات الوقت لا أسمح بمقاطعة الطالبات لي أو لبعضهن البعض.
"من علمني حرفاً صرت له عبدا " لم تُعد موجودة كالسابق ، للاسف كان دور المعلم مقدساً بما تعنيه الكلمة تماما ، كان أحدنا لا يجرؤ على رفع صوته او حتى عينيه في وجه معلمه ، وكنا نهرب من الطريق الذي يمر به المعلمون ونتطوع احياناً لخدمتهم .
حاليا الوضع تغيير ، لا المعلم محترم من الطالب ولا من الحكومة ، رُبما انحدرت هيبة المتعلم بسبب الانهيار الاجتماعي وتراجع قيم التربية في مجتمعاتنا .
و من اجل رفع مكانة المعلم يجب على الاهل اخذ دور هام لتوعية الطلاب لمكانة المعلم العالية، ودوره الهام في صقل شخصية الطالب وبناء الثقة لدى الطلاب ودوره في تعليم الطلاب ، كما يجب على وزارة التربية والتعليم ان تسن قوانين رادعة للطلاب في حال إعتدائهم على المعلمين أو تصرفهم بشكل غير لائق مع المعلمين. كما أن العامل المادي يلعب دوراً في رفع مكانة المعلم؛ لذا يجب دعمه وسن قوانين للمحافظة على حقوقه وإحترامه داخل المؤسسة التعليمية .
من ناحية أُخرى ، يجب على المعلم ان يكون قدوة حسنة لجميع الطلاب، لأن المعلم هو الذي يُعلم المهندس في المستقبل والطبيب وغيره. لذلك يجب ان تتوفر جميع الظروف المناسبة لعمل المعلم لكي يتسنى له إعطاء أفضل ما لديه. وأن لا يشعر بأنه مسلوب الحقوق
تهميش المعلم وهز صورته من خلال تقليل دخله وعدم الحفاظ على هيبته من قبل الحكومات هي عملية مقصودة وممنهجة لضرب العلم وزيادة الجهل وبالتالي إضعاف الجيل والشعوب لا سيما في البلدان المستضعفة والمأمورة أضف إلى ما سبق تحويل الدراسة والعلم إلى نهج عقيم ممل لتنفير الأطفال والشباب منه والبحث عن أساليب أخرى أو الهروب من الواقع إلى ما هو سيء و خطير.
التعليقات